والوجه الثالث [أن يكون معنى نفى السمع والبصر] (?) راجعا إلى آلهتهم لا إليهم؛ وتقدير الكلام: أولئك وآلهتهم لم يكونوا معجزين فى الأرض، يضاعف لهم العذاب؛ ثم قال مخبرا عن الآلهة: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ، وهذا الوجه يروى (?) عن ابن عباس رحمة الله عليه، وفيه أدنى بعد.
ويمكن فى الآية وجه رابع، وهو أن يكون ما فى قوله تعالى: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ ليست للنفى؛ بل تجرى مجرى قولهم: لأواصلنّك ما لاح نجم؛ ولأقيمنّ على مودتك ما طلعت شمس؛ ويكون المعنى أن العذاب يضاعف لهم فى الآخرة؛ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون؛ أى أنهم معذبون ما كانوا أحياء.
فإن قيل: كيف يعبّر عن كونهم أحياء باستطاعة السمع والإبصار؛ وقد يكون حيا من لا يكون كذلك؟
قلنا: للعرب فى مثل هذا/ عادة؛ لأنهم يقولون: والله لا كلّمت فلانا ما نظرت عينى، ومشت قدمى؛ وهم، يريدون: ما بقيت وحييت؛ لأن الأغلب من أحوال الحىّ أن تنظر عينه، وتمشى قدمه؛ فجعلوا الأغلب كالواجب؛ ومن ذلك قول الشاعر:
وما أنس من شيء تقادم عهده … فلست بناس ما هدت قدمى نعلى
عشيّة قالت والدّموع تعينها: (?) … هنيئا لقلب عنك لم يسله مسلى (?)
وإنما أراد: أنّى لا أنسى ذلك ما حييت؛ وكذلك لا يمتنع أن يعلّق على هذا المذهب دوام العذاب بكونهم مستطيعين للسمع والإبصار؛ ويعود المعنى إلى تعلّقه ببقائهم، وبكونهم أحياء؛ والمرجع فى ذلك إلى التأييد؛ لأنه إذا علّق العذاب ببقائهم وإحيائهم وعلمنا أنّ الآخرة لا موت فيها، ولا خروج عن الحياة، علمنا تأييد العذاب.
***