من دون الله، بل الواجب أن يرجعوا إليه فى معونتهم ونصرهم، ولا يعوّلوا على غيره.
فأما قوله عز وجل: ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ ففيه وجوه:
أحدها أن يكون المعنى: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع فلا يسمعون؛ وبما كانوا يستطيعون الإبصار فلا يبصرون؛ عنادا للحق، وذهابا عن سبيله؛ فأسقط الباء من الكلام، وذلك جائز كما جاز فى قولهم: لأجزينّك بما عملت، ولأجزينّك ما عملت؛ ولأحدثنّك بما عملت، ولأحدثنك ما عملت؛ وكما قال الشاعر:
نغالى اللّحم للأضياف نيئا … ونبذله إذا نضج القدير (?)
فأراد: نغالى باللحم.
والوجه الثانى أنهم لاستثقالهم استماع آيات الله تعالى، وكراهيتهم (?) تذكّرها وتفهمها جروا مجرى من لا يستطيع السمع، كما يقول القائل: ما يستطيع فلان أن ينظر لشدّة عداوته إلى فلان، وما يقدر على أن يكلمه؛ وكما نقول لمن عهدنا منه العناد والاستثقال لاستماع الحجج والبينات: ما تستطيع أن تسمع الحق؛ وما تطيق أن يذكر لك؛ وكما قال الأعشى:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل … وهل تطيق وداعا أيّها الرّجل [3]!
ونحن نعلم أنه قادر على الوداع؛ وإنما نفى قدرته عليه من حيث الكراهة والاستثقال.
ومعنى: وَما كانُوا يُبْصِرُونَ أى أن إبصارهم لم يكن نافعا لهم؛ ولا مجديا عليهم؛ مع الإعراض عن تأمل آيات الله تعالى وتدبرها؛ فلما انتفت عنهم منفعة الإبصار جاز أن ينفى عنهم الإبصار نفسه؛ كما يقال للمعرض عن الحق، العادل عن تأمله: ما لك لا تبصر، ولا تسمع؛ ولا تعقل؟ وما أشبه ذلك.