40

40 مجلس آخر [المجلس الأربعون: ]

تأويل آية [: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا ... ]

إن سأل سائل عن قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ؛ [الأنفال: 24].

فقال: ما معنى الحول بين المرء وقلبه؟ وهل يصحّ ما تأوّله قوم من أنّه يحول بين الكافر وبين الإيمان؟ وما معنى قوله: لِما يُحْيِيكُمْ؟ وكيف تكون الحياة فى إجابته؟

الجواب، قلنا: أما قوله تعالى: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ففيه وجوه:

أوّلها أن يريد بذلك أنّه تعالى يحول بين المرء وبين الانتفاع بقلبه بالموت، وهذا حثّ من الله عز وجل على الطاعات والمبادرة بها قبل الفوت وانقطاع التّكليف، وتعذّر ما يسوّف به المكلّف نفسه من التوبة والإقلاع؛ فكأنه تعالى قال: بادروا إلى الاستجابة لله وللرسول من قبل أن يأتيكم الموت فيحول بينكم وبين الانتفاع بنفوسكم وقلوبكم، ويتعذر عليكم ما تسوّفون به (?) نفوسكم من التوبة بقلوبكم. ويقوّى ذلك قوله تعالى: وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (?).

وثانيها أن يحول بين المرء وقلبه بإزالة عقله وإبطال تمييزه، وإن كان حيّا، وقد يقال لمن فقد عقله وسلب تمييزه: إنّه بغير عقل (?)؛ قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ؛ [ق: 37].

وقال الشاعر:

/ ولي ألف وجه قد عرفت مكانه … ولكن بلا قلب إلى أين أذهب!

وهذا الوجه يقرب من الأوّل؛ لأنه تعالى أخرج هذا الكلام مخرج الإنذار لهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015