والحث لهم (?) على الطاعات قبل فوتها، لأنه لا فرق بين تعذّر التوبة وانقطاع التكليف بالموت وبين تعذّرها بإزالة العقل.

وثالثها أن يكون المعنى المبالغة فى الإخبار عن قربه من عباده وعلمه بما يبطنون ويخفون؛ وأنّ الضمائر المكنونة (?) له ظاهرة، والخفايا المستورة لعلمه بادية؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى:

وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ؛ [ق: 16]، ونحن نعلم أنه لم تعالى يرد بذلك قرب المسافة، بل المعنى الّذي ذكرناه.

وإذا كان عزّ وجل هو أعلم بما فى قلوبنا منّا، وكان ما نعلمه أيضا يجوز أن ننساه، ونسهو عنه، ونضلّ عن علمه- وكل ذلك لا يجوز عليه- جاز أن يقول: إنه يحول بيننا وبين قلوبنا؛ لأنه معلوم فى الشاهد أن كل شيء يحول بين شيئين فهو أقرب إليهما.

ولما أراد تعالى المبالغة فى وصف القرب خاطبنا بما نعرف ونألف؛ وإن كان القرب الّذي عناه جلّت عظمته لم يرد به المسافة، والعرب تضع كثيرا لفظة القرب على غير معنى المسافة؛ فيقولون: فلان أقرب إلى قلبى من فلان، وزيد منى قريب، وعمرو منّى بعيد؛ ولا يريدون المسافة.

ورابعها- ما أجاب به بعضهم- من أنّ المؤمنين كانوا يفكّرون فى كثرة عدوّهم، وقلة عددهم، فيدخل قلوبهم الخوف، فأعلمهم تعالى أنه يحول بين المرء وقلبه، بأن يبدّله بالخوف الأمن؛ ويبدّل عدوّهم- بظنهم أنهم قادرون عليهم وغالبون لهم- الجبن والخور.

ويمكن فى الآية وجه خامس؛ وهو أن يكون المراد أنه تعالى يحول بين المرء وبين ما يدعوه إليه قلبه من القبائح؛ بالأمر والنهى والوعد والوعيد؛ لأنا نعلم أنه تعالى لو لم يكلف العاقل مع ما فيه من الشهوات والنفار لم يكن له عن القبيح مانع؛ ولا عن مواقعته رادع؛ فكأنّ التكليف حائل بينه وبينه؛ من حيث زجر عن فعله، وصرف عن مواقعته؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015