وليس يجب أن يجعل إطلاق الألفاظ المحتملة دليلا على إثبات الأحكام والمعانى، ومعترضة على أدلّة العقول؛ وقد تجوّز القوم بأكثر من هذا فقالوا: فى هذا الكتاب شعر امرئ القيس وعلم الشافعىّ وفقه فلان، ولم يقتض ذلك أن يكون العلم والكلام على الحقيقة موجودين فى الدفتر. وقد بيّن الكلام، فى هذا الباب فى مواضع هى أولى به.
فأما جواب ابن الأنبارىّ الّذي ارتضاه لنفسه، فلا طائل أيضا فيه، لأنه لا مزيّة للقرآن فيما ذكره على كل كلام وشعر فى العالم، لأنّا نعلم أنّ الشعر والكلام المحفوظ فى صدور الرجال إذا كتب فى جلد ثم أحرق أو غسل لم يذهب ما فى الصدور. منه؛ بل يكون ثابتا بحاله، فأىّ مزيّة للقرآن فى هذا على غيره؟ وأىّ فضيلة؟ فإن قال: وجه المزيّة أنّ غير القرآن من الشعر وغيره يمكن أن يندرس ويبطل بإحراق النار؛ والقرآن إذا كان هو تعالى هو المتولّى لإيداعه الصدور لا يتم ذلك فيه؟
قلنا: الكل سواء لأن غير القرآن إنما يبطل باحتراق الإهاب المكتوب فيه متى لم يكن محفوظا مودعا للصدور، ومتى كان بهذا الصفة لم يبطل باحتراق الجلد؛ وهكذا القرآن لو لم يحفظ فى الصدور لبطل بالاحتراق؛ ولكنه لا يبطل بهذا الشرط؛ فصار الشرط فى بطلان غير القرآن وثباته كالشّرط فى بطلان القرآن وإثباته، فلا مزيّة على هذا الجواب للقرآن فيما خصّ به من أنّ النار لا تمسّه، وهذا يبيّن أنه لا وجه غير ما ذكرناه فى الخبر؛ وهو أشبه بمذاهب العرب وأولى بتفضيل القرآن وتعظيمه.
أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب قال أخبرنا ابن دريد قال أنشدنا أبو حاتم قال ابن دريد وأنشدنا عبد الرحمن- يعنى ابن أخى الأصمعىّ- عن عمه للحسين بن مطير الأسدىّ (?) - وقال عبد الرحمن قال عمّى: لو كان شعر العرب هكذا ما أثم منشده-: