المكلّفون إلى تعلّم القرآن والإقدام على القبائح آمنين غير خائفين؛ وهذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله والمعنى فى قول أبى أمامة أن الله لا يعذّب قلبا وعى القرآن على نحو ما ذكره ابن الأنبارىّ.
فأما جواب ابن قتيبة الثانى، فمن أين له أن ذلك مختص بزمانه صلى الله عليه وآله، وليس فى اللفظ ولا فى غيره دلالة عليه! وأقوى ما يبطله أنّه لو كان كما ذكر لما جاز أن يخفى على جماعة المسلمين الذين رووا جميع معجزاته عليه وآله السلام وضبطوها. وفى وجداننا من روى ذلك وجمعه وعنى به غير عارف بهذه الدّلالة والآية إبطال لما توهمه.
فأما جوابه الثالث فباطل؛ لأنّ القرآن فى الحقيقة ليس يحلّ الجلد، ولا يكون فيه حتى ينسب الاحتراق إلى الجلد دونه؛ وإذا كان الأمر على هذا لم يكن فى قوله: إن الإهاب هو المحترق دون القرآن فائدة؛ لأنّ هذه سبيل كلّ كلام كتب فى إهاب أو غيره إذا احترق الإهاب لم يضف الاحتراق إلى الكلام لاستحالة هذه القضيّة (?) عليه.
ومن عجيب الأمور قول ابن الأنبارىّ: «وهذا يوجب أنّ القرآن غير المكتوب»؛ لأنّ كلام ابن قتيبة ليس يوجب ما ظنّه؛ بل يوجب ضده من أن المكتوب هو القرآن؛ ولهذا علّق الإحراق (?) بالكتابة والجلد دون المكتوب؛ الّذي هو القرآن؛ وإذا كان المكتوب فى المصحف هو القرآن على ما اقترح ابن الأنبارىّ، فما المانع من قول ابن قتيبة أنّ الجلد يحترق دونه؟ لأن أحدا لا يقول إن الجلد هو القرآن؛ وإنما يقول قوم إنه مكتوب فيه؛ وإذا كان غيره لم يمتنع إضافة الاحتراق إلى أحدهما/ دون الآخر؛ وهذا كله تخليط من الرجلين؛ لأن القرآن غير حالّ فى الجلد على
الحقيقة؛ وليست الكتابة غير المكتوب؛ وإنما الكتابة أمارة للحروف؛ فأمّا أن تكون هى الكلام على الحقيقة أو يوجد معها الكلام مكتوبا فمحال.
فأما استشهاده على ذلك بالآية وبقوله: «لا تسافروا بالقرآن» فذلك تجوّز وتوسّع،