فكأن النار تحرق الجلد والمداد ولا تحرق القرآن؛ لأنّ الله تعالى ينسخه ويرفعه من الجلد، صيانة له عن الإحراق.
وقال أبو بكر/ محمد بن القاسم الأنبارىّ ردا على ابن قتيبة، ومعترضا عليه: اعتبرت ما قاله ابن قتيبة من ذلك كلّه، فما وجدت فيه شيئا صحيحا.
أما قوله الأول فيردّه ما روى عنه عليه السلام من قوله: يخرج من النار قوم بعد ما يحرقون (?) فيها فيقال: هؤلاء الجهنّميون طلقاء الله عز وجل». قال: وقد روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «إذ دخل أهل الجنة
الجنة، وأهل النار النار قال الله عز وجل: انظروا من كان فى قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان (?) فأخرجوه منها»؛ قال أبو بكر: وكيف يصحّ قول ابن قتيبة فى زعمه أن النار لا تحرق من قرأ القرآن؛ ولا خلاف بين المسلمين أنّ الخوارج وغيرهم ممّن يلحد فى دين الله تعالى ويقرأ القرآن أن تحرقهم النار بغير شكّ؛ واحتجاجه بخبر أبى أمامة: «إنّ الله لا يعذّب قلبا وعى القرآن» معناه:
قرأ القرآن وعمل به؛ فأما من حفظ ألفاظه وضيّع حدوده؛ فإنه غير واع له.
قال: فأما قوله إنه من دلائل النبوّة التى انقطعت بعده، فما روى هذا الحديث أحد أنه كان فى دلائله عليه السلام؛ ولو أراد ذلك دليلا لكان صلى الله عليه وآله يجعل القرآن فى إهاب ثم يلقيه فى النار فلا يحترق قال: وقول ابن قتيبة الثالث: «لاحترق الجلد والمداد، ولم يحترق القرآن» غير صحيح؛ لأن الّذي يصحّح هذا القول يوجب أنّ القرآن غير المكتوب؛ وهذا محال؛ لأن المكتوب فى المصحف هو القرآن. والدليل على هذا قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ؛ [الواقعة: 77 - 79]، ومنه الحديث: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو»؛ وإنما يريد المصحف.
قال أبو بكر: والقول عندنا فى تأويل هذا الحديث أنه أراد: لو كان القرآن فى جلد