32 مجلس آخر [المجلس الثانى والثلاثون: ]
روى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «لو كان القرآن فى إهاب ما مسّته النار».
وقد ذكر متأوّلو حديث النبي صلى الله عليه وآله فى هذا الخبر وجوها كثيرة، كلّها غير صحيح ولا شاف، وأنا أذكر ما اعتمدوه (?)، وأبيّن ما فيه، ثم أذكر الوجه الصحيح.
قال ابن قتيبة: ذهب الأصمعىّ إلى أنّ من تعلّم القرآن من المسلمين لو ألقى فى النار لم تحرقه، فكنّى بالإهاب- وهو الجلد- عن الشخص والجسم؛ واحتجّ على تأويله هذا [الحديث بما روى عن سليمان] (?) بن محمد قال: سمعت أبا أمامة يقول: اقرءوا القرآن ولا تغرّنكم هذه المصاحف المعلّقة (?)؛ فإن الله لا يعذّب قلبا وعى القرآن.
قال ابن قتيبة: وفى الحديث تأويل آخر، وهو أنّ القرآن لو كتب فى جلد، ثم ألقى فى النار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لم تحرقه النار؛ على وجه الدّلالة على صحة أمر النبي عليه وآله السلام، ثم انقطع ذلك بعده، قال: وجرى هذا مجرى كلام الذئب وشكاية البعير وغير ذلك من آياته عليه السلام.
قال: وفيه تأويل ثالث؛ وهو أن يكون الإحراق (?) إنما نفى عن القرآن لا عن الإهاب؛ ويكون معنى الحديث: لو جعل القرآن فى إهاب ثم ألقى فى النار ما احترق القرآن؛