وعلى (?) هذه القراءة فى الآية وجه آخر وإن لم يحمل قوله: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ على الجحد والنفى، وهو أن
يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتّبعوا ما تتلوا الشياطين وتدّعيه على ملك سليمان، واتبعوا ما أنزل على هذين الملكين من السحر، ولا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى، وإن أطلق؛ لأنه جلّ وعز لا ينزل السحر؛ بل يكون منزله إليهما بعض الضّلّال العصاة، ويكون معنى أُنْزِلَ- وإن كان من الأرض- حمل إليهما لا من السماء أنه أتى به به من نجود الأرض وأعاليها؛ فإنّ من هبط من نجد البلاد إلى غورها يقال: نزل وهبط، وما جرى هذا المجرى.
فأما قوله تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فيحتمل وجوها:
منها أن يريد بالإذن العلم، من قولهم: آذنت فلانا بكذا إذا أعلمته، وأذنت لكذا إذا استمعته وعلمته، قال الشاعر:
فى سماع يأذن الشّيخ له … وحديث مثل ماذىّ مشار (?)
ومنها أن تكون إِلَّا زائدة، فيكون المعنى: وما هم بضارين به من أحد بإذن الله، ويجرى مجرى قول أحدنا: لقيت زيدا إلا أنى أكرمته، أى لقيت زيدا فأكرمته.
ومنها أن يكون أراد بالإذن التخلية وترك المنع، فكأنه أفاد بذلك أنّ العباد لن يعجزوه، وما هم بضارين أحدا إلا بأن يخلّى الله تعالى بينهم وبينه، ولو شاء لمنعهم بالقهر والقسر، زائدا على منعهم بالزجر والنهى.
/ ومنها أن يكون الضرر الّذي عنى أنه لا يكون إلا بإذنه، وأضافه إليه هو ما يلحق المسحور من الأدوية والأغذية التى يطعمه إياها السّحرة ويدّعون أنها موجبة لما يقصدونه فيه من الأمور؛ ومعلوم أن الضرر الحاصل عن ذلك من فعل الله تعالى بالعادة؛ لأنّ الأغذية لا توجب ضرّا ولا نفعا، وإن كان المعرّض للضرر من حيث كان كالفاعل له هو المستحق للذم، وعليه يجب العوض.