ومنها أن يكون الضرر المذكور إنما هو ما يحصل عن التفريق بين الأزواج؛ لأنه أقرب إليه فى ترتيب الكلام؛ والمعنى أنهم إذا أغووا أحد الزوجين، وكفر فبانت منه زوجته، فاستضرّ بذلك كانوا ضارّين له بما حسّنوه له من الكفر، إلّا أنّ الفرقة لم تكن إلّا بإذن الله وحكمه؛ لأنه تعالى هو الّذي حكم وأمر بالتفريق بين المختلفى الأديان؛ فلهذا قال: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ؛ والمعنى أنه لولا حكم الله وإذنه فى الفرقة بين هذين الزوجين باختلاف الملّة لم يكونوا ضارين له هذا الضّرب من الضرر الحاصل عند الفرقة؛ ويقوّى هذا الوجه ما روى أنه
كان من دين سليمان؛ أنه من (?) سحر بانت منه امرأته.
فأما قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، ثم قال:
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ففيه وجوه:
أوّلها أن يكون الذين علموا غير الذين لم يعلموا، ويكون الذين علموا الشياطين أو الذين خبّر عنهم بأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، والذين لم يعلموا هم الذين تعلّموا السحر، وشروا به أنفسهم.
وثانيها أن يكون الذين علموا هم الذين لم يعلموا؛ إلا أنهم علموا شيئا ولم يعلموا غيره، فكأنه تعالى وصفهم بأنهم عالمون بأنه لا نصيب لمن اشترى ذلك ورضيه لنفسه على الجملة، ولم يعلموا كنه ما يصير إليه من عقاب الله الّذي لا نفاد له ولا انقطاع.
وثالثها أن تكون الفائدة فى نفى العلم بعد إثباته أنهم لم يعملوا بما علموا، فكأنهم لم يعلموا، وهذا كما يقول أحدنا لغيره: ما أدعوك إليه خير لك وأعود عليك؛ لو كنت تعقل وتنظر فى العواقب، وهو يعقل وينظر فى العواقب، إلا أنه لا يعمل بموجب علمه، فحسن أن يقال له/ مثل هذا القول؛ قال كعب بن زهير يصف ذئبا وغرابا تبعاه؛ ليصيبا من زاده:
إذا حضرانى قلت: لو تعلمانه … ألم تعلما أنى من الزاد مرمل (?)