تخبّر إن شطّت بها غربة النّوى … ستنعم ليلى أو يفكّ أسيرها (?)
أراد: كيف تظنها؟ فلما كان القول يستعمل فى الأمرين معا أفاد قوله تعالى: بِأَفْواهِهِمْ قصر المعنى على ما يكون باللسان دون القلب، ولو أطلق القول، ولم يأت بذكر الأفواه لجاز أن يتوهّم المعنى الآخر:
ومما يشهد لذلك قوله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ؛ [المنافقون: 1]، فلم يكذّب الله تعالى قول ألسنتهم: لأنهم لم يخبروا بأفواههم إلّا بالحق، بل كذّب
ما يرجع إلى قلوبهم من الاعتقادات.
ووجه آخر وهو أن تكون الفائدة فى قوله تعالى: بِأَفْواهِهِمْ أنّ القول لا برهان عليه، وأنه باطل كذب لا يرجع فيه إلّا إلى مجرّد القول باللسان؛ لأن الإنسان قد يقول بلسانه الحقّ والباطل، وإنما يكون قوله حقّا إذا كان راجعا إلى قلبه، فتكون إضافة القول إلى اللسان تقتضى ما ذكرناه من الفائدة، وهذا كما يقول القائل لمن يشكّ فى قوله أو يكذبه:
هكذا تقول بلسانك، وليس الشأن فيما تقوله وتتفوّه به وتقلّب به لسانك؛ فكأنّهم أرادوا أن يقولوا: هذا قول لا برهان عليه، فأقاموا قولهم: هكذا تقول بلسانك، وإنما يقولون كذا بأفواههم مقام ذلك؛ والمعنى أنه قول لا تعضده حجّة ولا برهان، ولا يرجع فيه إلا إلى اللسان.