ووجه آخر، وهو/ أن تكون الفائدة فى ذلك التأكيد، فقد جرت به عادة العرب فى كلامها، وما تقدم من الوجهين أولى؛ لأنّ حمل كلامه تعالى على الفائدة أولى من حمله على ما تسقط معه الفائدة.
إن سأل سائل عن قوله تعالى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ؛ [إبراهيم: 9].
فقال: أىّ معنى لردّ الأيدى فى الأفواه؟ وأىّ مدخل لذلك فى التكذيب بالرسل عليهم السلام؟
الجواب، قلنا فى ذلك وجوه:
أولها أن يكون إخبارا عن القوم بأنّهم ردّوا أيديهم فى أفواههم، عاضّين عليها غيظا وحنقا على الأنبياء، كما يفعل
المتوعّد لغيره، المبالغ فى معاندته ومكايدته؛ وهذه عادة معروفة فى المغيظ المحنق أنّه يعضّ على أصابعه، ويفرك أنامله، ويضرب بإحدى يديه على الأخرى؛ وما شاكل ذلك من الأفعال.
وثانيها أن تكون الهاء فى الأيدى للكفار المكذّبين، والهاء التى فى الأفواه للرسل عليهم السلام؛ فكأنّهم لمّا سمعوا وعظ الرسل ودعاءهم وإنذارهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل، مانعين لهم عن الكلام كما يفعل المسكّت منّا لصاحبه، الرّادّ لقوله.
وثالثها أن تكون الهاء فى الأيدى والتى فى الأفواه معا للرسل؛ والمعنى أنهم كانوا يأخذون أيدى الرسل فيضعونها على أفواههم ليسكتوهم، ويقطعوا كلامهم.