أجمل بك من الانتقام منى، فقال ابن أبى دؤاد: قبحك الله! فو الله ما علمتك إلّا كثير تزويق اللسان، وقد جعلت بيانك أمام قلبك، ثم اضطغنت فيه النفاق والكفر؛ يا غلام صر به إلى الحمام، وأمط عنه الأذى. فأخذت عند
السلسلة/ والقيد، وأدخل الحمام، وأميط عنه الأذى، وحمل إليه تخت من ثياب وطويلة وخفّ، فلبس ذلك، ثم أتاه فصدّره فى مجلسه، ثم أقبل عليه، وقال: هات الآن حديثك يا أبا عثمان!
وقال المبرّد: سمعت الجاحظ يقول: احذر من تأمن؛ فإنك على حذر ممن تخاف.
وقال الجاحظ: قلت لأبى يعقوب الخريمىّ الشاعر: من خلق المعاصى؟ قال: الله، قلت:
فمن عذّب عليها؟ قال: الله، قلت: فلم؟ قال: لا أدرى والله!
وكان الجاحظ يقول: ينبغى للكاتب أن يكون رقيق حواشى الكلام، عذب ينابيعه، إذا حاور سدّد سهم الصواب إلى غرض المعنى.
وقال: لا تكلّم العامة بكلام الخاصة، ولا الخاصة بكلام العامة.
وقال سوّار بن أبى شراعة: كنت عند الجاحظ، فرآنى أكتب خطا رديئا فى ورق رديء متقارب السطور، فقال لى: ما أحسبك تحبّ ورثتك، فقلت: وكيف ذاك؟ قال:
لأنى أراك تسيء بهم فيما تخلّفه!
وذكر أبو العباس المبرّد قال: سمعت الجاحظ يقول لرجل آذاه: أنت والله أحوج إلى هوان من كريم إلى إكرام، ومن علم إلى عمل، ومن قدرة إلى عفو، ومن نعمة إلى شكر.
وقال المبرّد قال لى الجاحظ يوما: أتعرف مثل قول إسماعيل بن القاسم.
ولا خير فيمن لا يوطّن نفسه … على نائبات الدّهر حين تنوب
فقلت: نعم، قول كثيّر، ومنه أخذ:
فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة … إذا وطّنت يوما لها النّفس ذلّت