وحكى أن أبا النظام (?) جاء به وهو حدث إلى الخليل بن أحمد، ليعلّمه، فقال له الخليل يوما يمتحنه، وفى يده قدح زجاج: يا بنيّ، صف لى هذه الزجاجة، فقال: أبمدح أم بذم؟
قال: بمدح، قال: نعم، تريك القذى، لا تقبل الأذى، ولا تستر ما وراء؛ قال: فذمّها، قال: سريع كسرها، بطيء (?) جبرها، قال: فصف هذه النخلة، وأومأ إلى نخلة فى داره، فقال: أبمدح أم بذم؟ قال: بمدح، قال: هى حلو مجتناها، باسق منتهاها، ناضر أعلاها؛ قال: فذمّها قال: هى صعبة المرتقى، بعيدة المجتنى، محفوفة بالأذى؛ فقال الخليل:
يا بنيّ، نحن إلى التعلّم منك أحوج.
قال سيدنا المرتضى أدام الله علوّه: وهذه بلاغة من النظّام حسنة، لأن البلاغة هى وصف الشيء ذمّا أو مدحا بأقصى ما يقال فيه.
وشيبه بهذا المعنى خبر لبيد (?) المشهور فى هجائه (?) البقلة، التى امتحن بهجائها، واختبر بذمها، فقال فيها أبلغ ما يقال فى مثلها، وذلك أن عمارة وأنسا وقيسا والربيع بنى زياد العبسيين وفدوا على النعمان بن المنذر، ووفد
عليه العامريون بنو أم البنين (?)، وعليهم أبو البراء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، وهو ملاعب الأسنّة، وكان العامريون ثلاثين رجلا،