وقد كلمنى فيه من لا أوجب حقّه، فإن قضيت حاجته لم أحمدك، وإن رددته لم أذممك».

فلما قرأت الكتاب مضيت من فورى إلى الجاحظ، فقال: يا أبا عبد الله، قد علمت أنّك أنكرت ما فى الكتاب، فقلت: أوليس موضع نكرة! فقال: لا، هذه علامة بينى وبين الرجل فيمن اعتنى به، فقلت: لا والله، ما رأيت رجلا أعلم بطبعك وما جبلت عليه من هذا الرجل! - أعنى صاحب الحاجة- أعلمت أنّه لما قرأ الكتاب قال: أمّ الجاحظ عشرة آلاف، وأمّ من يسأله ... فقلت: يا هذا؟ أتشتم صديقنا؟ فقال: هذه علامتى فيمن أشكره!

وفى رواية أخرى أنّ أبا العيناء سلّم الكتاب إلى صاحب الحاجة وقال له: فضّ الكتاب، فقال: إنه مختوم فقال: طينة أهون من ظنّة.

*** [خبر طرفة بن العبد والمتلمس الضبعىّ وحديث الصحيفة: ]

قال سيدنا المرتضى أدام الله علوّه: وأظن أن أبا العيناء تنبّه على فضّ الكتاب وقراءته بخبر طرفة بن العبد والمتلمّس الضّبعىّ (?)، وذاك أنهما وفدا على عمرو بن هند ونادماه، واحتظيا به، ثم أفضى الأمر إلى أن هجاه كلّ واحد منهما وعرض به بالشعر المشهور (?) فحنق عليهما، وهمّ بقتلهما، ثم أشفق من ذلك، وأراد قتلهما بيد

غيره، وكان على طرفة أحنق، فعلم أنه إن قتله هجاه المتلمّس: فكتب لهما كتابا إلى البحرين، وقال لهما: إنى قد كتبت لكما بصلة، فاشخصا لقبضها؛ فخرجا من عنده، والكتابان فى أيديهما، فمرّا بشيخ جالس على ظهر الطريق، متكشّفا يتبرز، ومعه كسرة خبز يأكل منها، ويتناول القمل من ثيابه فيقصعه، فقال أحدهما لصاحبه: ما رأيت أعجب من هذا الشيخ! فسمع الشيخ مقالته فقال: وما ترى من عجبى (?)! أدخل طيّبا، وأخرج خبيثا، وأقتل عدوا، وإنّ أعجب منى لمن يحمل حتفه بيده، وهو لا يدرى! فأوجس المتلمّس فى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015