لا يجوز أن يكونوا فى الآخرة كذلك؛ فضلا أن يكونوا على أبلغ من هذه الحالة لأن المعارف فى الآخرة ضرورية، يشترك فيها جميع الناس، فلم يبق بعد الّذي أبطلناه إلا ما دخل فى الأجوبة. وعلى الأجوبة الثلاثة الأول إذا أريد بأعمى الثانية المبالغة والتعجب كان فى موضعه؛ لأن عمى القلب وضلاله يتعجب منه بلفظة «أفعل» وإن لم يجز ذلك فى عمى الجارحة.
ولمن أجاب بالجواب الرابع ألّا يجعل قوله تعالى: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى لفظة تعجب، بل يجعله إخبارا عن عماه من غير تعجّب، وإن عطف عليه بقوله تعالى: وَأَضَلُّ سَبِيلًا ويكون تقدير الكلام: ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الآخرة أعمى وهو أضل سبيلا (?).
فإن قيل: ولم أنكرتم التعجب من الخلق بلفظة «أفعل»؟ . قلنا: قد قال النحويون فى ذلك: إن الألوان والعيوب لا يتعجّب منها بلفظ التعجّب وإنما يعدل فيها إلى أشدّ وأظهر وما جرى مجراهما؛ قالوا: لأن العيوب والألوان قد ضارعت الأسماء، وصارت خلقة كاليد والرّجل ونحو ذلك؛ فلا يقال: ما أسوده وما أعوره، كما لا يقال: ما أيداه (?) وما أرجله؛ ويقال: ما أشدّ سواده! كما يقال: ما أشدّ يده ورجله! واعتلوا بعلة أخرى، قالوا: إن الفعل من الألوان والعيوب على «افعلّ» و «افعالّ»، نحو احمرّ واعورّ واحولّ واحوالّ، والتعجب لا يدخل فيما (?) زاد على ثلاثة أحرف من الأفعال؛ ألا ترى أنه لا يدخل فى انطلق واستخرج ودحرج لزيادته على ثلاثة أحرف (?)؟