فإن قيل لهم فقد قالوا: عورت عينه وحولت، قالوا: هذا منقول من «افعلّ» وهو فى الحكم زائد على ثلاثة أحرف، يدلّ
على ذلك صحة الواو فيه؛ كما صحت فى اسودّ وابيضّ ولولا أنه منقول منه لا عتلت الواو، فقلت: عارت وحالت، كما قيل: خاف وهاب.
وحكى عن الفرّاء فى ذلك جوابان: أحدهما أنّ «أفعل» فى التعجب فيه زيادة على وصف قبله إذا قال القائل أفضل وأجمل، فهو أزيد فى الوصف من جميل وفاضل، فلم يقولوا: ما أبيض زيدا! لئلا يسقط/ التزيد (?)، ولا يكون قبل أبيض وصف يزيد أبيض عليه، يخالف لفظه لفظه؛ كما خالف أفضل وأجمل فاضلا وجميلا، فلما فاتهم فى أبيض وأحمر علم التزيد (?) أدخلوا عليه ما تبين الزيادة فيه، وقالوا: ما أظهر حمرة زيد: وما أشد سواد عمرو! لأن «أظهر» يزيد على ظاهر، و «أشد» يزيد على شديد (?).
والجواب الآخر أنّ التعجب مبنىّ على زيادة فصلح أن يتقدّمها نقص وتقصير عن بلوغ التناهى، فقالوا: ما أعلم زيدا! ليدلّوا على زيادة علمه؛ لأنهم فى قولهم: عالم وعليم لم يبلغوا فى التناهى مبلغ «أعلم»، ولم يقولوا: ما أبيض زيدا! لأن البياض لا تأتى (?) منه زيادة بعد نقص، فعدلوا إلى التعجب بأشدّ وأبين وما جرى مجراهما، وهذا الجواب ليس بسديد؛ لأنّ الألوان قد تتأتّى فيها الزيادة بعد نقص، وقد تدخل فيها المفاضلة، ألا ترى أنّ ما حلّه قليل أجزاء البياض يكون أنقص حالا فى البياض مما حلّه الكثير من الأجزاء!
والجواب الأول الّذي حكيناه عن الفراء أصوب، وإن كان ما قدمناه عن البصريين هو المعتمد (?) وقد أنشد بعضهم معترضا على ما ذكرناه قول الشاعر: