تقول: فلان بصير بهذا الأمر؛ وزيد أبصر بكذا من عمرو، ولا يريدون إبصار العين، بل العلم والمعرفة؛ ويشهد بهذا التأويل قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، أى: كنت غافلا عمّا أنت الآن عارف به، فلما أن كشفنا عنك الغطاء بأن أعلمناك وفعلنا فى قلبك المعرفة عرفت وعلمت.
فأما الخبر الّذي تدّعى روايته فهو خبر واحد، ولا حجة (?) فى مثله؛ وإذا عرف لفظه ربما أمكن تأوله على ما يطابق هذا الجواب، ومن (?) ذهب إلى الأجوبة الأول يجعل العمى الأول والثانى معا غير الآفة فى العين، فإن عورض بقوله تعالى: وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (?) تأوّله على العمى عن الثواب أو عن الحجة، وقال فى قوله تعالى: لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً إن معناه: كنت بصيرا فى اعتقادى وظنّى، من حيث كنت أرجو الهداية إلى الثواب وطريق الجنة.
والمحصّل من هذه الجملة أنه لا يجوز أن يراد بالعمى الأول والثانى جميعا الآفة فى العين؛ لأنه يؤدى إلى أن كلّ من كان مئوف (?) البصر فى الدنيا؛ من مؤمن وكافر وطائع وعاص يكون كذلك فى الآخرة، وهذا باطل وبمثله يبطل أن يراد بلفظة الْأَعْمى الثانية المبالغة بمعنى أفضل من فلان، ويبطله أيضا أن العمى الّذي هو الخلقة لا يتعجب منه بلفظة «أفعل» وإنما يقال: ما أشدّ عماه! ولا يجوز أن يراد بالعمى الأول العين (?) والثانى العمى عن الثواب والجنة أو الحجة، لأنا نعلم أنّ فيمن (?) عميت عينه فى الدنيا من يستحق الثواب، ويوصل إليه، ولا يجوز أن يراد بالأول والثانى العمى عن المعرفة والإيمان، لا على طريقة (?) المبالغة والتعجب/ ولا على غير ذلك؛ لأنا نعلم أنّ الجهال بالله تعالى، المعرضين فى الدنيا عن معرفته