غير أن جملة الكلام ما ذكرناه؛ ونذكر بعض ذلك لنبيّن أنّ الكلام فى الجميع على هذا المنهاج.

فمن الآيات قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ؛ [الأحزاب: 37]. وكقوله تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ؛ [الأنفال: 67]؛ وكقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ؛ [التحريم: 1]. وقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ؛ [التوبة: 43]؛ إلى مثال هذه الآى.

أما قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ فالقصة فيه مشهورة؛ وهى أنّ العرب كانت تحرّم على نفوسهم نكاح

زوجة من استضافوه إلى نفوسهم بالبنوّة وادّعوه؛ كما يحرّمون أزواج الأبناء فى الحقيقة؛ فلما أراد الله تعالى نسخ ذلك لما علم فيه من المصلحة، أعلم نبيّه قبل طلاق زيد بن حارثة- الّذي كان النبىّ عليه السلام تبناه- زينب بنت جحش زوجته، وأمره بتزويجها إذا فارقها؛ فلما خاصم زيد زوجته عازما على طلاقها، وعظه النبىّ عليه السلام، وكفّه عن ذلك إشفاقا من شكوته عنه؛ مع ما عزم عليه من نكاحها أن يرجف عليه المنافقون؛ ويضيفوا إليه ما قد نزّهه الله تعالى منه عند إخفاء عزمه على تزويجها بعد فراق زيد لها؛ لينته إلى أمر الله تعالى فى ذلك؛ يشهد بصحة ما ذكرناه قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً [الأحزاب: 37].

فإن قيل: فالعتاب حاصل؛ لأنه كان ينبغى أن يظهر ما أضمره، ويخشى الله ولا يخشى الناس.

الجواب عن ذلك أنّ إخبار الله تعالى أنه أخفى ما الله مبديه هو خبر محض؛ لا يتعلّق به ذم.

وقوله تعالى: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ، فالشبهة به أيضا ضعيفة؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015