ما ورد فى القرآن من معاتبات الرسول عليه السلام مع عصمته وطهارته، وكونه الحجة على الخلق أجمعين.
الجواب، أنه إذا ثبت بالدليل عصمة الأنبياء عليهم السلام فكلّ ما ورد فى القرآن مما له ظاهر ينافى العصمة، ويقتضي وقوع الخطأ منهم؛ فلا بدّ من صرف الكلام عن ظاهره، وحمله على ما يليق بأدلة العقول؛ لأن الكلام يدخله الحقيقة والمجاز، ويعدل المتكلم به عن ظاهره.
وأدلة العقول لا يصح فيها ذلك، ألا ترى أن القرآن قد ورد بما لا يجوز على الله تعالى من الحركة والانتقال، كقوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22]، وقوله تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ؛ [البقرة: 210]، ولا بدّ مع وضوح الأدلة على أن الله تعالى ليس بجسم، واستحالة الانتقال عليه، الّذي لا يجوز إلا على الأجسام من تأوّل هذه الظواهر والعدول عما يقتضيه صريح ألفاظها؛ قرب التأويل أو بعد.
ولو جهلنا العلم بالتأويل جملة لم يضرّ ذلك مع التمسك بالأدلة؛ وكان غاية ما فيه ألّا نعلم قصد المتكلم بما أطلقه من كلامه؛ ونعلم إذا كان حكيما أنّ له غرضا صحيحا.
على أن ظواهر الآيات التى خوطب بها النبىّ عليه السلام مما ظاهره كالعتاب؛ منها المقصود به أمته، والخطاب متوجّه إليه؛ ولهذا روى عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن بإياك أعنى واسمعى يا جارة. ويشهد بذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطلاق: 1]؛ فخاطب النبىّ عليه السلام، والمراد بذلك جميع الأمة.
ومنها ما يظن أنه عتاب وليس كذلك؛ بل هو تعليم وتأديب؛ ولا محالة أن تأديب النبىّ عليه السلام كان صادرا عن الله تعالى.
والمواعظ له ترادفت فى كل وقت؛ والشروع فى ذكر الآيات والتنبيه على المراد بها يطول؛