وَهَذَا السُّلْطَان مَحْمُود اقتبس عَن الإفرنج كسوتهم، وألزم رجال دولته وحاشيته بلبسها حَتَّى عَمت أَو كَادَت، وَلم يَشَأْ الأتراك أَن يُغيرُوا مِنْهَا الأكمام رِعَايَة للدّين لِأَنَّهَا مَانِعَة من الْوضُوء أَو معسرة لَهُ. وَهَذَا السُّلْطَان عبد الْمجِيد رأى من مؤيدات إدارة ملكه إِبَاحَة الرِّبَا وَالْخُمُور وَإِبْطَال الْحُدُود. وَرَأى مصلحَة فِي قهر الإشراف وإذلال السادات بإلغاء نُفُوذ النقابات، فَفعل.
وَفِي هَذَا الْمِقْدَار كِفَايَة إِيضَاح لقاعدة: أَن مؤيدات الْملك عِنْد السلاطين مُقَدّمَة على الدّين. أما صفة خدمَة الْحَرَمَيْنِ وألفة مسامع العثمانيين للقب الْخلَافَة، فَهَذَا كَذَلِك لَا يُفِيد الدّين وَاهِلَة شَيْئا، وَلَيْسَ لَهُ مَا يتَوَهَّم الْبَعْض من الإجلال عِنْد الْأَجَانِب
وَلَو أَن حَضْرَة السُّلْطَان الْمُعظم أَخذ عَلَيْهِ تأييد الدّين بِمَا أمده الله بِهِ من الْقُوَّة المادية بِدُونِ استناد إِلَى صبغة معنوية، لتمكن من أَن يخْدم دينه وَملكه حَقًا خدمات مَقْبُولَة عِنْد الله وَرَسُوله مشكورة عِنْد الْمُؤمنِينَ كَافَّة. ولرفعت لَهُ راية الْحَمد فِي شَرق الأَرْض وغربها