وذكر ابن الكلبيّ: وقدم بالس قائدٌ من قواد عبد الله بن عليٍّ في مئةٍ وخمسين فارساً فتقدّم إلى الناعورة، فبعث بولد مسلمة بن عبد الملك ونسائهم وكانوا مجاورين أبا الورد، بحصن مسلمة بالناعورة وببالس فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد الكلابي، فخرج من مزرعته خساف في عدةٍ من أهل بيته، وخالف وبيّض، وجاء إلى الناعورة، والقائد المذكور نازلٌ بحصن مسلمة بها، فقاتله حتى قتله ومن معه. وأظهر الخلع والتبييض، ودعا أهل حلب وقنسرين إلى ذلك فأجابوه.

فبلغ ذلك عبد الله بن عليٍّ وهو بدمشق، فوجّه أخاه عبد الصمد بن عليٍّ في زهاء عشرة آلاف فارس، ومعه ذؤيب بن الأشعث على حرسه، والمخارق بن عفانٍ على شرطه. فسار أبو الورد إليه، وجعل مقدّم جيشه وصاحبه أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأبو الورد مدبّر الجيش، ولقبهم فهزم عبد الصمد ومن معه.

فلما قدم عبد الصمد على أخيه عبد الله، أقبل عبد الله بن عليٍّ بعسكره لقتال أبي محمد وأبي الورد، ومعه حميد بن قحطبة، فالتقوا في سنة 132 في آخر يومٍ من السنة، واقتتلوا بمرج الأخرم. وثبت لهم عبد الله بن عليٍّ وحميدٌ، فهزموهم وقتل أبو الورد، وآمن عبد الله بن عليٍّ أهل حلب وقنسرين، وسوّدوا، وبايعوا. ثم انصرف راجعاً إلى دمشق فأقام بها شهراً.

فبلغه أنّ العباس بن محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان السفيانيّ قد لبس الحمرة وخالف، وأظهر المعصية بحلب، فارتحل نحوه حتى وصل إلى حمص. فبلغه أنّ أبا جعفرٍ المنصور وكان يومئذٍ يلي الجزيرة وأرمينية وأذربيجان وجّه مقاتل بن الحكم العكّي من الرقّة في خليل عظيمةٍ لقتال السفيانيّ، وأنّ العكيّ قد نزل منبج، فسار عبد الله مسرعاً حتى نزل مرج الأخرم، فبلغه أنّ العكّي واقع السفيانيّ وهزمه، واستباح عسكره، وافتتح حلب عنوة، وجمع الغنائم وسار بها إلى أبي جعفر وهو بحران.

فارتحل عبد الله إلى دابقٍ، وشتا بها، ثم سميساط وحصر فيها إسحاق بن مسلم العقيلي حتى سلّمها، ودخل في الطاعة.

ثم قدم أبان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك في أربعة آلافٍ من نخبة من كان مع إسحاق بن ملمٍ. فسيّر إليه حميد بن قحطبة. فهزم أباناً، ودخل سميساط فسار إليها عبد الله، ونازلها حتى افتتحها عنوةً.

وكتب إليه العباس يأمره بالمسير إلى النّاعورة، وأن يترك القتال ويرفع السيف عن الناس، وذلك في النّصف من رمضان سنة 132.

وهرب أبو محمد ومن كان معه من الكلبيّة إلى تدمر، ثم خرج إلى الحجاز فظفر به، وقتل.

وكتب إليه السفاح أن يغزو بلاد الروم، فأتى دابق فعسكر بها وجمع، وتوجّه إلى بلاد الروم.

فلما وصل دلوك يريد الإدراب كتب إليه عامله بحلب يخبره بوفاة السّفاح ومبايعة المنصور. فرجع من دلوك، وأتى حران ودعا إلى نفسه، وزعم أنّ السفاح جعله وليّ عهده، وغلب على حلب وقنسرين وديار ربيعة ومضر وسائر الشام، ولم يبايع المنصور. وبايعه حميد بن قحطبة وقواده الذين كانوا معه. وولى على حلب زفر بن عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي أبا عبد الله في سنة 137.

فسيّر المنصور أبا مسلم الخراسانيّ صاحب الدعوة لقتال عبد الله بن عليّ. فسير عبد الله حميد بن قحطبة وكتب له كتاباً إلى زفر بن عاصم إلى حلب، وفيه: إذا ورد عليك حميدٌ فاضرب عنقه. فعلم حميدٌ بذلك، فهرب إلى أبي مسلمٍ الخراسانيّ خوفاً من عبد الله.

ثم سار أبو مسلم إلى عبد الله بن عليٍّ، فالتقيا وانهزم عبد الله بن عليٍّ وعبد الصمد أخوه معه. فسار أبو مسلمٍ خلفه، فوصل إلى الرقّة، وأخذ منها أموال عبد الله، وتبعه إلى رصافة هشامٍ فانهزم عبد الله إلى البصرة، وتوارى عند أخيه سليمان بن عليٍّ، فأخذ له أماناً من المنصور وسيّره إليه، فحبسه إلى ان سقط عليه الحبس فمات.

وقبض أبو مسلمٍ على عبد الصمد بن عليٍّ بالرّصافة، وأخذ أمواله، وسيّره إلى المنصور، فأمّنه وأطلقه.

وورد كتاب المنصور على أبي مسلمٍ بولاية الشام جميعه وحلب وقنّسرين وأمره أن يقيم له في بلاده نوّاباً، ففعل أبو مسلم ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015