وخرج سيف الدولة سالماً. وسميت هذه الغزوة المصيبة، وأخذ له من الآلات والأموال، ما لا يحصى حتى إنه ذكر أنه هلك منه من عرض ما كان معه في صحبته خمسة آلاف ورقة بخط أبي عبد الله بن مقلة، وكان منقطعاً إلى بني حمدان، وكان قد بلغ سيف الدولة إلى سمندو وأحرق صارخة وخرشنة.
ومنها: أن سيف الدولة بنى مرعش في سنة 341. وأتاه الدمستق بعسكر ليمنعه منها، فأوقع به سيف الدولة الواقعة العظيمة المشهورة.
ومنها: أن سيف الدولة دخل بلاد الروم سنة 342 وأغار على زبطرة والتقاه قسطنطين بن بردس الدمستق على درب موزار وقتل من الفريقين خلق، ثم تم سيف الدولة إلى الفرات وعبره فقصد بطن هنزيط، ودخل سيف الدولة سميساط فخرج الدمستق إلى ناحية الشام، فرجع سيف الدولة، فلحقه وراء مرعش، فأوقع به وهزم جيشه، وحمّله الإبريق إلى بيت الماء، وكان أمرد، فخرج فوجده يبكي، ولم يزل عنده حتى مات من علة اعتلها.
وكان الدمستق استتر في تلك الوقعة في القناة ودخل فترهب، وليس المسوح ففي تلك يقول المتنبي:
فلو كان ينجي من علي ترهبٌ ... ترهّبت الأملاك مثنى وموحدا
وقال أبو العباس أحمد بن محمدٍّ النّامي:
لكنّه طلب التّرهّب خيفةً ... ممّن له تتقاصر الأعمار
فمكان قائم سيفه عكّازه ... ومكان ما يتمنطق الزّنار
وبنى سيف الدولة الحدث، وقصده الدمستق برادس، فاقتتلا سحابة يومهما. وكان النصر للمسلمين، وذلك في سنة 343، واسر صهر الدمستق على ابنته أعور جرم، بعد أن سلمها أهلها إلى الدمستق.
ومنها: أن سيف الدولة غزا سنة 45 بطن هنزيط ونزل شاطئ أرسناس، وكبس يانس بن شمشقيق على تل بطريق فهزمه وفتحها.
وقتل في هذه الوقعة رومانوس بن البلنطيس صهر ابن شمشقيق وأسر ابن قلموط، وانثنى فوجد كذوبن الدمستق، فأوقع به وهزمه.
وخلف ابن عمه أبا العشائر الحسين بن علي على عمارة عرنداس، فقصده ليون ابن الدمستق فهزمه، وأسره، وحمله إلى قسطنطينة فمات بها. وغزا في هذه السنة في جمادى الآخرة مع أهل الثغور، وخرب مواضع من بلاد الروم مثل خرشنة وصارخة. وأسر الرست بن البلنطس، وأسر لاون بن الأسطر اطيغوس وابن غذال بطريق مقدونية، وهرب الدمستق وبركيل بطريق الخالديات، فلما قفل سيف الدولة فكّ قيود الأسارى وخلع عليهم، وأحسن إليهم.
وفي جمادى الأولى من سنة 46 كاتب الروم جماعة من غلمان سيف الدولة بالقبض عليه، وحمله إلى الدمستق عند شخوصه لمحاربته، وبذل لهم مالاً عظيماً على ذلك. فخرج سيف الدولة عن حلب وقد عزموا على ذلك، فصار بعض الفراشين إلى ابن كيغلغ فأخبره بما عزموا عليه، فاعلم سيف الدولة، فجمع الأعراب والديلم، وأمرهم بالإيقاع بهم عند إعلامه إياهم بذلك، فأوقعوا بهم، وقتل منهم مائة وثمانين غلاماً، وقبض على زهاء مائتي غلام فقطّع أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وهرب بعضهم.
وعاد إلى حلب وقتل من بها من الأسرى. وكانوا أربعمائة أسير، وضيق على ابن الدمستق، وزاد في قيده، وصبره في حجرة معه في داره وأحسن إلى ذلك الفرّاش وقلد ابن كيغلغ أعمالاً، وتنكّر على سائر غلمانه.
ومنها: أن يانس بن شمشقيق خرج إلى ديار بكر ونزل على حصن اليماني، وعرف سيف الدولة خبره. فسير إليه الكاسكي في عشرة آلاف فارس، فالتقاه فانهزم نجا، وقتل من أصحابه خمسة آلاف فارس، واسر مقدار ثلاثة آلاف رجل، واستوى على سواد نجا كله.
وسار ابن شمشقيق والبراكموس إلى حصن سمسياط وفتحاه. ثم سارا إلى رعبان وحصراها، وسار سيف الدولة إليهما، ولقيهما، فاستظهر الروم عليه استظهاراً كثيراً.
وعاد سيف الدولة منهزماً، وتبعه الروم، وقتلوا، وسبوا من عشيرته وقواده ما يكثر عدده، وذلك في سنة 347.
وفي هذه السنة قدم ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان أخو سيف الدولة. مستنجداً بأخيه سيف الدولة إلى حلب ومعه جميع أولاده عندما قصد معز الدولة للموصل. وتلقاه سيف الدولة على أربع فراسخ من حلب، ولما رآه ترجل له. وانفق سيف الدولة عليه وعلى حاشيته، وقدّم لهم من الثياب الفاخرة والجواهر ما قيمته ثلاثمائة ألف دينار.