فولى ناصر الدولة حلب وديار مضر والعواصم أبا بكر محمد بن علي بن مقاتل صاحب ابن رائق في شهر ربيع الأول سنة 332، ووافق ناصر الدولة أبا محمد بن حمدان على أن يؤدي إليه إذا دخل حلب ثلاثين ألف دينار.
فتوجه أبو بكر من الموصل ومعه جماعة من القواد، ولم يصل إليها، فوقع ببين الأمير سيف الدولة بن حمدان وبين ابن عمه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان كلام بالموصل وأراد القبض عليه.
فقلد ناصر الدولة أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان أخا الأمير أبي فراس، حلب وأعمالها وديرا مضر والعواصم وكل ما يفتحه من الشام، فتوجه في أول شهر رجب سنة 332 ودخل الرقة بالسيف لأن أهلها حاربوه مع أميرها محمد ابن حبيب البلزمي، فأسره وسلمه، وحرق قطعة من بلده وقبض على رؤساء أهلها، وصادرهم.
وتوجه إلى حلب ومعه أبو بكر محمد بن علي من مقاتل، وبحلب يانس المؤنسي وأحمد بن عباس الكلابي، فهربا من يديه من حلب، وتبعهما إلى معرة النعمان ثم إلى حمص. فهرب أمير حمص إسحاق بن كيغلغ بين يديه، وملك هذه البلاد ودانت له العرب، ثم عاد إلى حلب، وأقام بها إلى أن وافى الإخشيد أبو بكر محمد بن طغج بن جف الفرغاني.
وإنما لقب بالإخشيد لأن ملك فرغانة تسمى بذلك، وكان أبوه من أهل فرغانة.
وقدمها الإخشيد في ذي الحجة سنة 332. ولما دنا الإخشيد من حلب انصرف الحسين بن حمدان عنها لضعفه عن محاربته إلى الرقة.
وكان ابن مقاتل مع ابن حمدان بحلب، فلما أحس بقرب الإخشيد منها وتعويل ابن حمدان على الانصراف استتر في منارة المسجد إلى أن انصرف ابن حمدان ودخل الإخشيد فظهر له ابن مقاتل، واستأمن إليه، وقلده الإخشيد أعمال الخراج والضياع بمصر.
وأما الحسين بن سعيد، فإنه لما وصل إلى الرقة وجد المتقي لله بها هارباً من توزون التركي وقد تغلب على بغداد، وسيف الدولة أبو الحسن علي بن عبد الله بن حمدان مع المتقي بالرقة، وقد فارق أخاه ناصر الدولة لكلام جرى بينهما. فلم يأذن المتقي لأب عبد الله الحسين في دخول الرقة، وأغلقتن أبوابها دونه، ووقعت المباينة بينه وبين ابن عمه سيف الدولة وسفر بينهما في الصلح، فتم. ومضى إلى حرّان، ومنها إلى الموصل.
وقدم الإخشيد عند حصوله بحلب مقدمته إلى بلاس. وسار بعدها، فسير المتقي أبا الحسن أحمد بن عبد الله بن إسحاق الخرقي يسأل الإخشيد أن يسير إليه ليجتمع معه بالرقة ويجدد العهد له، ويستعين به على نصرته، ويقتبس من رأيه.
فلما وصل أب الحسن إلى حلب تلقاه الإخشيد وأكرمه وأظهر السرور والثقة بقر المتقي، وأنفذ من وقته مالاً مع أحمد بن سعيد الكلابي إلى المتقي، وسار فراسله المتقي بالخرقي، وبوزيره أبي الحسين بن مقلة، فعبر إليه يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة خلت من المحرم سنة 333.
ووقف بين يدي المتقي لله. ثم ركب المتقي لله، فمشى بين يديه، وأمره يركب فلم يفعل، وحمل إليه هدايا ومالاً كثيراً، وحمل إلى الوزير أبي الحسين بن مقلة عشرين ألف دينار، ولم يدع أحداُ من أصحاب المتقي وحواشيه وكتابه إلا برّه ووصله. واجتهد بالمتقي لله أن يسير معه إلى الشام، فأبى فأشار عليه بالمقام مكانه، وضمن بأن يمده بالأموال فلم يفعل، إلى أن كاتبه توزون، وخدعه، وقبض عليه، وبايع المستكفي.
وكتب المتقي عهداً للإخشيد بالشامات ومصر، على أن الولاية له ولأبي القاسم أنوجور ابنه إلى ثلاثين سنة.
وكتب الإخشيد في هذه السفرة إلى عبده كافور الخادم إلى مصر وقال له: ومما يجب أن تقف عليه أطال الله بقاءك أنني لقيت أمير المؤمنين بشاطئ الفرات فأكرمني، وحباني، وقال: كيف أنت يا أبا بكر أعزك الله، فرحاً بأنه كناه والخليفة لا يكني أحداً.
وعاد الإخشيد من الرقة إلى حلب، وسار إلى مصر. وولي بحلب من قبله أبا الفتح عثمان بن سعيد بن العباس بن الوليد الكلابي، وولى أخاه أنطاكية. فحسد أبا الفتح إخوته الكلابيون، وراسلوا سيف الدولة بن حمدان أن يسلموا إليه حلب، وقد كان طلب سيف الدولة من أخيه ناصر الدولة ولاية، فقال له ناصر الدولة: الشام أمامك، وما فيه أحد يمنعك منه.