غيرهم والتكفف لديهم والالتجاء في مواقع الخطر اليهم، وأطفئوا في قلوبهم شعلة الجهاد في سبيل الله، والحمية للدين، وأبدلوها بالوطنية العليلة، والقومية الناعسة، وأبدلوا جنونها الذي بعث الحكمة من مرقدها وأطلق العقل من أساره، والذي تمكن مما لم يتمكن منه العقل والعلم ف آلاف من السنين، أبدلوها هذا "الجنون" الحكيم بعقل ناقص عليل، لا يعرف الا الموانع والعراقيل.
وقد ظهر هذا التحول العظيم في العقيدة والنفسية، والافلاس في الروح والايمان، في شر مظاهره في حرب فلسطين، فكان فضيحة للعالم العربي في القرن الرابع عشر الهجري، كما كان انكسار المسلمين وفشلهم الذريع أمام الزحف التتاري فضيحة للعالم الاسلامي في القرن الثامن، فقد اجتمعت سبع دول عربية لتحارب الصهيونية وتدافع عن وطن عربي اسلامي مقدس، عن القبلة الأولى، وعن المسجد الثالث الذي تشد اليه الرحال، وعن جزيرة العرب والأقطار العربية التي أصبحت مهددة بالخطر اليهودي، فكانت حرب فلسطين دفاعاً عن حياة وشرف وعن دين وعقيدة، وكان العالم العربي بأسره ازاء دويلة صغيرة لم تستقر بعد، واتجهت الانظار الى مسرح فلسطين، وانتظر الناس معركة مثل معركة اليرموك، أو وقعة مثل وقعة حطين، ولماذا لا ينتظرونها والامة هي الامة، والعقيدة هي العقيدة، مع زيادة فائقة في العدد والعُدد. فلماذا لا ينتصر العرب وهم عالم؟ ولماذا لا يقضون على عدوهم وهو حفنة من المشردين؟
ولكنهم نسوا ما فعلت الايام وما فعلت التربية، وما فعلت الدول والزعامة السياسية، وما فعلت المادية بالأمة العربية في هذا العصر. لقد تقدم العرب الى معركة اليرموك حقا، ولكن بغير الايمان الذي تقدم به أسلافهم الى هذه المعركة في العصر الأول.
لقد تقدموا الى وقعة كانت وقعة حاسمة كحطين - لو ظفر