كذلك في الاسلام، الاسلام الذي نشأ في بلاد صحراوية، تجوب فيها شتى القبائل الرحالة التي لم تكن من قبل رفيعة المكانة والمنزلة في التاريخ، فلسرعان ما شرع يتدفق وينتشر وتتسع رقعته في الأرض مجتازا أفدح الخطوب وأصعب العقبات، دون أن يكون من الأمم الأخرى عون يذكر، ولا أزر مشدود، وعلى شدة هذه المكاره فقد نصر الاسلام نصرا مبينا عجيبا، إذ لم يكد يمضي على ظهوره أكثر من قرنين، حتى باتت راية الاسلام خفاقة من "البرانس" حتى "هملايا"، ومن صحاري أواسط آسيا حتى صحاري أواسط افريقية (?) ".
ويقول مؤرخ عصري "هـ. 1. ل. فيشر" في كتابه تاريخ أوربا:
" لم يكن هنالك - في جزيرة العرب قبل الاسلام - أثر لحكومة عربية، أو جيش منتظم، أو لطموح سياسي عام، كان العرب شعراء خياليين، محاربين، وتجارا، لم يكونوا سياسيين، انهم لم يجدوا في دينهم قوة تثبتهم أو توحدهم، انهم كانوا على نظام منحط من الشرك، بعد مائة سنة حمل هؤلاء المتوحشون الخاملون لأنفسهم قوة عالمية عظيمة، انهم فتحوا سورية ومصر، ودوخوا وقلبوا فارس، ملكوا تركستان الغربية، وجزءا من بنجاب، انهم انتزعوا افريقية من البيزنطيين والبربر، وأسبانيا من القوط، هددوا فرنسا في الغرب، والقسطنطينية في الشرق، مخرت أساطيلهم المصنوعة في الاسكندرية وموانئ سوريا، مياه البحر المتوسط، واكتسحت الجزائر اليونانية،