والفريق الثالث - الذي يتألم بهذا الوضع ويتوجع له، ويعترف بأن هذه الطبقة مريضة صالحة للتداوي مستعدة للشفاء، ويتقدم اليها بالدعوة الرفيقة والرسالة الحكيمة والنصيحة الخالصة - يكاد يكون مفقودا، فلا صلة لهذه الطبقة بالدين وبالجو الديني، تعيش في عزلة عنه وفي وحشة منه، ولا تزداد الا بعدا عن الدين وازدراءا بكل ما يتصل به، ويزيدها الفريق الذي يحاربها حربا شعواء لا هوادة فيها، والفريق الذي يتزعم الدين ويريد أن ينزع منها الحكم وينافسها في الجاه والمنصب، لا يزيدها الفريقان الا بغضا للدين واشفاقا منه، والانسان مفطور على بغض من ينافسه في دنياه، اذا كان لا يؤمن الا بالدنيا، وينتزع منه الحكم والسلطان اذا كان لا يعيش الا على الحكم والسلطان، ويساهمه في مادته وشهواته اذا كان لا يعرف الا المادة والشهوات.
والأقطار الاسلامية اليوم بحاجة الى فريق يتجرد عن المطامع ويخلص للدعوة، ويبتعد عن كل ما يوهم بأن همه الدنيا والمادة والتغلب على الحكومة لنفسه أو عشيرته أو حزبه، يحل العقد النفسية والعقلية التي أحدثتها الثقافة الغربية أو أخطاء "رجال الدين" أو سوء التفاهم أو قلة الدراسة والابتعاد عن الاسلام وجوّه، وذلك بالمقابلات والصداقات والمحادثات والمراسلات والرحلات، وبالأدب الاسلامي الصالح المؤثر وبالروابط الشخصية، وبالنزاهة وعلو الاخلاق وقوة الشخصية والزهد في حطام الدنيا والعزوف عن الشهوات وتمثيل أخلاق الأنبياء وخلفائهم.