ولكن مع الأسف الشديد، قد تشاغل المسلمون اليوم بالدنيا كالأمم الجاهلية وسَعَوا وراءها، وعقدوا حياتهم بها، فإذا أشرفتم على مدنهم وبلادهم من مرقب عال لم تميزوا بينهم وبين أفراد أمة جاهلية، سعي وراء المادة في غير اقتصاد، واكتساب من غير احتساب، سهر في غير طاعة، وعمل في غير نية، وتجارة في لهو عن ذكر الله، وحرقة في جهل عن دين الله، ووظيفة في الاخلاص لغير الله، وحكومة في مشاقة الله، شغل في ضلالة، وقعود في بطالة، وحياة في غفلة وجهالة.
هل اذا اطلعتم - يا سادتي - على بلاد اسلامية، ورأيتم هذه الأمة في غداوتها وروحاتها الى الأسواق والإدارات، ومصالح الحكومة، عرفتم أنها أمة خلقت لشيء آخر، وبعثت لغرض آخر، أسمى من هذه الأغراض التي يسعى لها الكافر والمؤمن.
إن هذا الأسلوب من الحياة لحجة ظاهرة لأهل الجاهلية على المسلمين، فلو نطقوا لقالوا: "ما ذنبنا، أيها المسلمون! إذ عرضنا على نبيكم المال، والسيادة، والملك، فأبى ورفض كل ذلك؟! ألا نراكم تسعون اليوم وراء الذي رفضه نبيكم بالأمس، كأنما خلقتم لأجله؟ فأي الفريقين أشد ذنبا، أمن عرض على محمد صلى الله عليه وسلم المال والسيادة والملك، تفاديا من الخلاف والنزاع، فأبى ورفض، أو من تهافت على ما رفضه سيده تهافت الظمآن على الماء، والفراش على النور؟. وإذا كنتم اليوم لا يهمكم إلا المال، أو الحياة، أو