قوارع تبري العظم من كلم مض.
فقام الأغنياء والأمراء وأبناء الملوك فاقتنوا هذه الكتب، وزينوا بها مكاتبهم، وتحدثوا عنها الى ندمائهم وزائريهم في لباقة ورشاقة، ولكن لم تنفذ سهامها من العيون الى القلوب، ولم تجاوز أحاديثها تراقيهم.
قام الخطباء البارعون فألقوا خطبا أسمعت الصم واستنزلت العصم، فسمعها هؤلاء وأثنوا على براعتهم وفصاحتهم، ومضوا لسبيلهم لم يبكوا على زلة ولم يقلعوا عن سيئة، ولم يحدثوا لله عهدا.
لقد كان - والله - أقل من هذا يهز القلوب في الجوانح. ويستفرغ الدموع من العيون، ويرجف القصور، ويقلب عروش الملوك، ويجعل من أبناء السلاطين والأمراء مثبل ابن أدهم وشقيق البلخي، يسمع أحدهم وهو خارج من قصر أو رائح الى لهو قارئا يقرأ: {ألم يأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} [الحديد: 16]، فيقول: والله لقد آن، والله لقد آن، ويرمي آلات اللهو، ويخرج من أبهة الملوك وحشمة السلاطين الى تبذل الفقراء وتقشف الزهاد.