ويأتينا اذا دعوناه، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سجوفه وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه وهو يقول: "يا دنيا أبي تعرضت، أم لي تشوفت؟ هيهات هيهات!! غري غيري، قد بتتّك ثلاثا لا رجعة لي فيك. فعمرك قصير، وعيشك حقير وخطرك كبير. آه! من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق (?) ".
كان شعار الدولة الاسلامية الأولى الهداية والدعوة الى الله وخدمة الناس، فكانت الدولة تخسر أموالا عظيمة في سبيل الأخلاق والدين، وكانت اذا خيرت بين أرواح الرجال ومبالغ من المال اختارت الأرواح وخسرت الأرباح، وتطيب بذلك نفسا وتقر به عينا، وإذا كان عكس ذلك فكسبت الأموال وخسرت الرجال، حزنت لذلك وحزن المسلمون كحزنهم على ملك زائل وسلطان راحل، وقد فضل الخلفاء الراشدون وخامسهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن يدخل المجوس والنصارى في الإسلام ويعفوا