فنرى في الأول التطوع والاحتساب، وروح الخدمة والإيثار، والأمانة والتضحية والوفاء، بينما نرى في رجال حكومة الجباية معاكسة القانون ورجاله والاجتهاد في معاجزته والتفلت منه، والكبر والتجبر، والاثرة والخيانة، والنفاق والزور، وفشو الرشوة الى حد يدعو الانسان بين الركن والمقام أن لا يبتلى منهم، فلا ينال الانسان حقه من العدل والراحة، ولا يمتمع بحقوقه المدنية الا اذا رضخ من ماله لهذا وقدم طعمة لذاك. ويستفحل الأمر ويجل الخطب، حتى لا يرى أحد في هذه الحكومة أنه خادم أمة وأمين حكومة، لا يعد نفسه الا جابيا - ولكن لنفسه وعياله - قد منحته الحكومة فرصة جمع الأموال، فلا يريد أن تفلته هذه الفرصة ويتخلف عن قافلة الجباة الشخصيين، وقد اشتد بها الجد، وجد بها السير.
لقد سبق في التاريخ أمثلة لكل من حكومات الجباية والهداية. أما حكومات الجباية فلا تحتاج الى تمثيل ولا الى شرح وبيان، فانها هي السائدة الفاشية في الماضي والحاضر، وفي الشرق والغرب، وقد جربها الانسان وعرفها في كل عصر، أما حكومات الهداية فهي نادرة جدا، فلنضرب لها مثلا:
بعث محمد صلى الله عليه وسلم فدعا الناس الى الاسلام فالتف حوله: {فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى. وربطنا على قلوبهم اذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا. هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة، لولا يأتون عليهم بسلطان بيِّن، فمن أظلم