بسبيلها، وما لا يجر عليها فائدة مالية أو قوة سياسية، وقد تبيح منكرا أو محرما إذا كانت تجني منه نفعا، وتحرم مباحا إذا كانت تخاف منه خطرا سياسيا أو خسارة مالية، ولا يزال الجشع والنهامة للمال تدفعها وتزين لها خطتها، حتى تفرض ضرائب على العبادات، وعلى الموت والحياة، وهكذا تتحول من حكومة ساهرة على مصالح الجمهور وراحتهم ومن مربية وحارسة للأمة، الى شركة تجارية كبيرة لا يهمها الا جمع الأموال وزيادة الأرباح.
أما الدولة التي شعارها الهداية، فمهمتها الدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعيارها تحسن أخلاق الجمهور، وسمو روحهم وتحليلهم بالفضائل واقبالهم على الآخرة، وزهدهم في الدنيا والقناعة في المعيشة، واجتنابهم المحرمات والمعاصي، وتنافسهم في الخيرات، ولو كان ذلك على حساب ميزانيتها وخسارة ماليتها، فتنصب الوعاظ، وترسل الدعاة، وتشجع الحسبة، وتمنع الخمور، وتنكر على الفجور، وتحرم الملاهي والمعازف، وتطارد المستهترين والخلعاء، وتمنع كل ما يفسد على الناس عقيدتهم وأخلاقهم، ويفسد الحياة المنزلية، وتغص في حكمها المساجد، وتقفر الحانات، ويزدهر الدين والتقوى، وتضمحل المعاصي والجنايات، ويقوم أهل الدين والصلاح وينشطون ويتحمسون، ويتوارى الفجار والملحدون وينكمشون، ويكون ما وصفه الله تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض: أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور} [الحج: 41].
يمتاز جهاز حكومة الهداية بأسره عن جهاز حكومة الجباية بأسره، يمتاز عنه في النزعات والروح، والسيرة والمعاملة والسلوك،