أباه فى المعركة , ولكنه لم يقتله, وبعد أن أسلم والتقى بأبيه, قال له: لقد رأيتك يوم بدر ولكنى لم أقتلك, فرد عليه أبو بكر, وقال له: لو أنى رأيتك لقتلتك, وفى المعركة نفسها قتل أبو عبيدة بن الجراح أباه , ووجد مصعب بن عمير أخاه قد أسَرَه أحد المسلمين , فلما رآه أخوه استغاث به أن يتوسط له لدى المسلم ليفك أسره, فكانت النتيجة غير متوقعة , وذلك أن مصعباً قال للمسلم: اشدد وثاقه فإن أمه غنية تفديه بمال كثير, فقال له أخوه: أهذه وصيتك بأخيك؟ فرد عليه بقوله: هو أخي دونك, أى أن المسلم أخو مصعب, وليس هو, لأنه مشرك.
قال الرازي في تفسيره: واعلم أن الأكثرين اتفقوا على أن قوله: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وإخباره أهل مكة بمسير النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد فتح مكة، وتلك القصة معروفة.
وعلى هذا فمحبة الكافر المحارب للدين وأهله منهي عنها ولو كانوا قرابة، وقد نصت الآية الكريمة على القرابة هنا؛ لأن سبب الحب موجود فيهم، وهو الصلة والقرابة، والآية تأمر بقطع هذه المودة كلياً، لا جزئياً؛ أي في القليل والكثير، حتى لأجل الدنيا , ويدل على هذا أنهم لو أحبوهم لأجل الدنيا، لحصلت بينهم مودة، ولكانوا بذلك مُخالفين لهذا النص صراحة وهذا الاستدلال على مذهب من يرى أن الموادة الواردة في الآية السابقة هي مرادفة لمعنى المحبة , ثم إن الشارع قد أمر بقطع الصلة بين المؤمن وأرحامه الكفار المحاربين للدين وأهله وأمره بقطع أسباب المحبة الطبيعية كالهدية والزيارة ونحوها وبالتالي فقطع الصلة وأسباب المحبة الطبيعية يستلزم عدم مودتهم على الأقل.
وأما الدليل الثالث والرابع هو قوله تعالى" وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ". وقوله "إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". ووجه الدلالة في الآية الأولى أن طعن هؤلاء المحاربين في الدين، وأذاهم للمؤمنين موجب لقتالهم، وإذا حل القتال، فالصلات والمعاملات منقطعة، فلا زواج بحربية، ولا إحسان ببر أو قسط بحربي، حتى لو كانوا آباءً، أو أبناءً، أو إخواناً، أو عشيرة، بحسب مفهوم الآية، ويستثنى من ذلك مطلق الإحسان؛ إذ يجوز في حق الجريح والأسير , إذن فلا مكان للمحبة الدنيوية.
وأما وجه الدلالة في الآية الثانية هو أن الله عز وجل حرَم موالاة الكفار المحاربين , ومن المعلوم أن من جملة الموالاة المحبة بغض النظر عن الباعث عليها.
وأما الدليل الخامس هو قوله تعالى في حق كفار مكة المحاربين للدين وأهله " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ". وفي هذا النص دليل على عدم