وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ "فمن أحب الكافر لكونه مُحاداً لله ورسوله فهذا يستحيل أن يكون مؤمناً كما يفيده ترتيب النهي على فعلها وقال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ".
وأمّا الحبُّ القلبي الذي لا يصل إلى حدّ النَقض، لكنه يُنقصُ الإيمانَ، ويدل على ضعفٍ في معتقد الولاء والبراء، فهو محبّة الكافر محارباً أو مُسالماً لِفسْقِه أو لمعصيةٍ يقترفها فهذا إثمٌ ولاشك، ولكنه لا يصل إلى درجة الكفر لكونه لا ينافي أصل الإيمان؛ وهذا الحبّ قد يكون كبيرة من كبائر الذنوب، وقد لا يكون كذلك، بحسب حال المحبوب ومعصيته، فمن أحبّ محبوباً لارتكابه الكبائر، فهذا الحب كبيرة، ومن أحبّه لصغيرة يرتكبها، فلا يزيد إثمه على إثم من ارتكبها.
ملاحظة مهمة: نحن نتكلم هنا عن مجرد إضمار المحبة للكافر والفاسق لا إظهار مقتضيات هذه المحبة وآثارها.
الحال الثالثة: محبة الكافر المُحارب لأجل الدنيا:
أي يحبه لأجل نوع أو أنواع من المحبة الدنيوية: الخلُق، والجمال، والقرابة .. إلخ.
فهذا لا يحب دينه، وإنما يحب فيه شيئاً تميز به، وظاهر النصوص تدل على تحريم هذا النوع , والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصر وأشهر من أن تُذكر، قال تعالى" قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ". ففي هذا النص بيان قطع المودة بين المؤمنين والكافرين قطعاً كاملاً، لما تبينت عداوتهم لله تعالى ورسوله، وحلول العداوة والبغضاء بينهم، فلا تزول إلا بشرط الإيمان بالله وحده , ولا ينسجم مع هذا الحال محبتهم لشيء من المحاب الدنيوية؛ ففي هذه المحبة الدنيوية رجوع لشيء من المودة، نعم ليست كالمحبة للدين، لكنها في كل حال هي محبة، ولو بالقدر القليل، وهذا يُعارض النص فتحقيق الآية إذن يوجب قطع جميع أنواع المحاب الدينية، والدنيوية مع هذا الصنف المحارب ثم إنه لا حجة لمن يقول أن هذه الآية السابقة منسوخة , نعم قد نسلم ونقول أنها منسوخة جزئياً وإن شئت فقل مخصوصة بقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) وهذا في حق الكفار المسالمين والأظهر أنها رخصة ولكن في حق الكفار المحاربين فلا وهي مُحكمة. ومن الأدلة كذلك قوله تعالى "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ " ففي هذا النص بيان الأمر ذاته، فإنه ينفي الإيمان بالله واليوم الآخر عمن يودّ المحادين لله ورسوله، وهم المحاربون على مذهب بعض أهل العلم والذي يدلك على أن الآية المراد بها المحاربين هو سبب نزولها , ولا شك أن المحاربين يدخلون دخولاً أولياً في معنى المحادة لله ورسوله، قال العلماء عن آية المجادلة إنها نزلت فى أبى بكر, وأبى عبيدة بن الجراح, ومصعب بن عمير, وغيرهم من الصحابة - رضوان الله عليهم -أجمعين, ففي موقعة بدر كان عبد الرحمن بن أبى بكر لم يسلم بعد, وكان من فريق الكفار, ورأى