جواز إلقاء شيء من المودة إلى من كان سبباً في أذى المسلمين بإخراج ونحوه، ولو كانت المودة للدنيا، وقد نزلت في حاطب لما خابر المشركين بعزم النبي صلى الله عليه وسلم على غزوهم، واعتذر بأنه أراد أن يصطنع عندهم يداً يحفظ به ماله، فكانت مودته لهم للدنيا، فنُهي عن ذلك، وحرم عليه.
وأما الدليل من السنة فهو الرجل الذي قتل امرأته، لما كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، فأهدر دمها. وفي هذا النص إشارة إلى قطع حبال المودة، حتى بين الزوجين، إذا صار أحدهما محارباً للدين , فلا شيء أدل على البغضاء، وانتفاء جميع أنواع المحبة الدينية، والدنيوية من القتل وسفك الدم , وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم فعله هذا، فدل على قطع جميع أنواع المودة والمحبة عن الصنف المحارب ومن الأدلة كذلك ما روى أبي شيبة بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله).وروى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعادة في الله، والحب في الله والبغض في الله).وأخرج ابن جرير ومحمد بن نصر المروزي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) ولا شك أن الكافر المحارب للدين وأهله يدخل دخولاً أولياً في المقصود من البغض في الله.
وعلى كل حال فالمحبة المجردة بالقلب للمحارب، لأجل الدنيا، تُنبئ عموماً بضعف ولاء المسلم لدينه؛ إذ كيف يحبه حتى لو للدنيا، وهو يراه يسعى في إذلاله والمسلمين، والطعن والسخرية من دينه؟!.
إذن فحكم محبة الكافر المحارب لأجل الدنيا محرمة وإن كانت لا تصل إلى حد الكفر.
الحال الرابعة: محبة الكافر غير المحارب لأجل الدنيا.
أي محبته لأجل: خلُق، أو قرابة، أو جمال .. ونحو هذا , وحكم هذه المحبة تختلف باختلاف المحبوب وكون المسلم قادراً شرعاً أو قدراً على قطع أسباب محبته أو غير قادر.
فعلى هذا يمكن أن نجعل هذا القسم على قسمين:
القسم الأول: محبة عموم ومجموع الكفار غير المحاربين لأجل الدنيا.
فهذا القسم يجوز محبتهم محبة مجردة بمقتضى الجبلة البشرية والطبع ابتداءً إلا أنه يجب أن يصاحب محبتهم المحبة الطبيعية المُجردة البغض لهم في الدين أو على الأقل عدم مودتهم , وفي حال وقوع المسلم في هذه المحبة فإن عليه مدافعة هذه المحبة وعليه ألا يركن إليها وألا تحمله هذه المحبة إلى معاشرتهم معاشرة الأحباب ولا ينبغي الانبساط إليهم إلا بموجب شرعي كالمداراة لهم أو لتأليف قلوبهم على الإسلام وأما الانبساط إليهم إلى حد يحملهم على إظهار ما هم فيه من المنكرات فهو محرم بلا خلاف , وأما اتخاذهم أولياء أو أخلاء أو بطانة فهو محرم , ثم إن المسلم