لأنسابهم من المشركين، فسألوا فرخص لهم، فنزلت هذه الآية، فأمروا بالصدقة بعدها على كل من سأل من كلِّ دين.
قال ابن جريرفي تفسيره: يعني -تعالى ذكره- بذلك: ليس عليك يا محمد هدى المشركين إلى الإسلام فتمنعهم صدقة التطوع، ولا تعطهم منها ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها، ولكن الله هو يهدي من يشاء من خلقه إلى الإسلام فيوفقهم، فلا تمنعهم الصدقة .... انتهى.
والصدقة تدخل في عموم قول الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15)).
وبهذا يتبين أن الصدقة على غير المسلمين مستحبة، لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم (في كل كبد رطبة أجر) متفق عليه.
وهذا التعامل هو ما سار عليه الخلفاء الراشدون في صدر الإسلام، ومن بعدهم في معاملتهم لأهل الذمة، ففي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كتب خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لأهل الحيرة بالعراق- وكانوا نصارى- كتاباً مطولاً في بيان ما عليهم من الواجبات، وما لهم من الحقوق، ومما جاء فيه: وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله.
وفي خلافة عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة رسالة مطولة في الوصية بأهل الذمة، جاء فيها: وانظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولّت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه ... وذلك أنه بلغني أنّ أمير المؤمنين عمر مر بشيخ من أهل الذّمة يسأل على أبواب الناس، فقال: ما أنصفناك، أن كنا أخذنا منك الجزية في شبيبتك ثمّ ضيعناك في كبرك، قال: ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.
الحادي والعشرون: يجوز استخدام الكفار المحايدين للدعاية لصالح المسلمين وإيقاع الرعب والهزيمة المعنوية في الكفار المحاربين وقد دل على ذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني والعشرون: يجوز أكل ذبائح أهل الكتاب ما لم يعلم أنها ذُبحت على غير الوجه الشرعي كالخنق؛ لقوله تعالى:"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ". وهذا ما أجمع عليه أهل العلم أن ذبائح أهل الكتاب حلال، وفي البخاري عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: لما فتحت خيبر أهديت للنبي –صلى الله عليه وسلم- شاة فيها سم". وفي البخاري، ومسلم من حديث أنس – رضي الله عنه -:"أن امرأة يهودية أتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بشاة مسمومة فأكل منها ... " الحديث. قال ابن حجر: (ومن أحكام قصة خيبر جواز الأكل من طعام أهل الكتاب، وقبول هديتهم. (
الثالث والعشرون: يجوز نكاح نساء أهل الكتاب عند جمهور أهل العلم؛ لقوله –سبحانه-"والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".