التاسع عشر: مشروعية حسن الجوار معهم لعموم قوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) والجار الجنب: يشمل الجار الغريب البعيد مسلماً كان أو مشركاً، يهودياً كان أو نصرانياً.
قال القرطبي: الوصاة بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلماً كان أو كافراً وهو الصحيح ... انتهى. والإحسان قد يكون بمعنى المواساة، وقد يكون بمعنى حسن العشرة، وكف الأذى والمحاماة عنه، ويشمل الجوار الجار في العمل وفي السفر ونحو ذلك, روى البخاري عن عائشة عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وعن أبي شريح أنّ النبي-صلّى الله عليه وسلّم- قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه). وهذا عام في كل جار، وقد أكّد عليه الصلاة والسلام ترك أذيته بقسمه ثلاث مرات، وأنه لا يؤمن الإيمان الكامل من آذى جاره، فينبغي للمؤمن أن يحذر أذى الجار بغير حق، وينتهي عما نهى الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضَا عليه.
وهذا العموم في الإحسان إلى الجار هو ما فهمه صحابة رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- وطبقوه مع غير المسلمين.
أخرج أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه ذُبحت شاةٌ، فقال لأهله: أهديتم لجارنا اليهودي؟ قالوا: لا، قال: ابعثوا إليه منها، فإني سمعت رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- يقول): ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) ... انتهى.
وعن مجاهد قال: كنت عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وغلامه يسلخ شاة، فقال: يا غلام إذا فرغت فابدأ بجارنا اليهودي، فقال رجل من القوم: اليهودي أصلحك الله؟ قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يوصي بالجار حتى خشينا أنه سيورثه ... انتهى.
العشرون: مشروعية الصدقة على مساكينهم , بل ويجوز للحاكم أن يعطي أهل الذمة والعهد من المال لمصلحة شرعية أو لحاجتهم , وعليه فيجوز للمسلم أن يتصدق على غير المسلّم من غير المحاربين، ومن غير الزكاة، لعموم قوله تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [والقسط يشمل العدل، ويشمل الصَلة، قال ابن العربي قوله تعالى (وتقْسِطُوا ِإلَيهِم) أيَ تعطوهم قسطاً من أموالكم على وجه الصلة، وليس يريد به من العدل، فإنّ العدل واجب فيمن قاتل وفيمن لم يقاتل ... انتهى.
ولقوله تعالى: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) فقد جاء في سبب نزولها أنّ ناساً من المسلمين كرهوا أن يرضخوا