الدولة المحاربة للمسلمين ـ ما روى بشر بن أبي أرطاة أنه أتى برجل في الغزاة قد سرق فقال: لولا أني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: لا تقطع الأيدي في الغزاة لقطعتك، أخرجه أبو داود وغيره. وروى سعيد بن منصور عن الأحوص بن حكيم عن أبيه أن عمر (كتب إلى الناس ألا يجلدن أمير جيش ولا سرية رجلا من المسلمين حدا وهو غار، حتى يقطع الدرب قافلا، لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار)، وعن أبي الدرداء وحذيفة بن اليمان نحوه، فإذا كان هذا في الغزاة المسلمين وهم تحت حكم المسلمين فمن الأولى إجراء هذا الحكم على أفراد الجالية المسلمة وهم تحت حكم دولة كافرة محاربة للمسلمين.
والدليل على ذلك ـ إن حصل في دولة مهادنة للمسلمين ـ أن الحكم فيها لغير المسلمين، وليس ثمة للمسلمين ولاية تحكم بما أنزل الله، وتقيم القصاص والحدود، وقد تعد تلك الدولة إقامة الحدود فيها والقصاص خارج محاكمها ودوائرها الأمنية افتياتاً عليها وانتهاكاً لسيادتها على أراضيها، وتعدها جريمة يعاقب عليها، فلا يلزم المسلمين فعل ما يعاقبون عليه في غير أراضيهم.
وبناء على هذا يكون واجب القصاص وإقامة الحدود مما يترك في غير بلاد المسلمين عجزاً عن إقامته أو رعاية للمصلحة التي اعتبرها الشرع، ودرءاً للمفسدة.
فأما دليل إقامة القصاص أو الحد إذا دخل المرتكب ما يوجبهما بلاد المسلمين فلعموم النصوص الآمرة بذلك، وإنما أخرت لعارض كما تؤخر بعض الواجبات لمرض أو شغل.
تجوز الاستعانة بالمشركين في الحرب بشرطين: الأول الحاجة إلى ذلك.
والثاني أن يكون الكفار ممن يوثق بهم فلا تُخش ثائرتهم , وأما الاستعانة بسلاح الكفار فهو أمر جائز.
تتفاوت أحكام المشابهة بالكفار فيما هو من خصائصهم الدينية أو الدنيوية تفاوتاً عظيماً فمنها كفر ومنها معصية ومنها مكروه ومنها مباح ومنها مستحب ومنها واجب إلا أن الأصل أن حكم التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم الدينية أو الدنيوية هو التحريم.
وهناك حالات معينة قد تجعل المسلم يشارك الكفار في الهدي الظاهر ذلك أن المخالفة لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه كالجهاد وإلزامهم بالجزية والصغار ولما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء فإنه لم يشرع لهم المخالفة فلما كمل الدين وظهر وعلا شُرع ذلك. فلو أن المسلم بدار الحرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل يُستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه وجُعل على الكافرين بها الصغار ففيها ُشرعت المخالفة.