ثانيا: إذا اعتدى المسلم على غير مسلم من ذمي أو مستأمن فقتله فقد ارتكب إثما عظيما، قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قتل ذميا أو معاهدا لم يرح رائحة الجنة" رواه البخاري. وهو مستحق للعقوبة، كما عليه دفع ديته، لكن لا يقتص منه به بقتل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري "لا يقتل مسلم بكافر، كما أن الذمي لو قتل حربيا فإنه لا يقام عليه القصاص، ولا يعاقب، وليس عليه دية، ولا كفارة؛ لأنه قتل غير معصوم الدم.
ثالثا: الراجح من أقوال أهل العلم أن دية الكتابي إذا كان معصوم الدم في جناية القتل أو الجراح إذا كان خطئا نصف دية المسلم، فإن كان ذكرا فديته نصف دية المسلم الذكر، وإن كان أنثى فنصف دية الأنثى المسلمة، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل الكتابي نصف عقل المسلم. رواه أحمد، والعقل هو الدية، وإن كانت الجناية عمدا والاني مسلما، فقد ذهب الإمام أحمد إلى تضعيف الدية على المسلم فتصبح مثل دية المسلم، وروى ذلك عن عثمان بن عفان، لكن رأي جمهور أهل العلم على عدم تضعيفها.
رابعا: إذا ارتكب غير مسلم من الذميين والمعاهدين في بلاد الإسلام معصية توجب الحد في شرعنا على المسلم لو ارتكبها نظرنا فإن كانت المعصية مما أقره الإسلام على فعلها خفية كشرب الخمر فلا يقام عليه الحد الواجب فيه، لكن لو جاهر بشربها جاز تعزيره بعقوبة مناسبة تردعه عن تكرار المجاهرة، وإن كانت المعصية مما لم يقره الإسلام على فعلها كالزنا وجب إقامة حد الزنا عليه وهو الرجم إن كان محصنا أو الجلد مائة جلدة إن كان غير محصن، وهذا إذا ثبت الزنا عليه باعترافه أو شهادة أربعة شهود عدول، كما يفعل بالمسلم إذا زنا، لعموم قوله ـ جل وعلا ـ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور [2].
ولحديث ابن عمر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقام حد الرجم على يهوديين زنيا في المدينة حين رفع اليهود أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم. متفق عليه. ومثله السرقة والقذف.
ويجدر التنبيه هنا أن بعض أهل العلم لا يوجب إقامة الحدود عليهم إلا إذا ترافعوا إلى محاكم المسلمين، أو كان المعتدي عليه مسلما، فإن كان الأمر فيما بينهم وليس فيه طرف مسلم ولم يترافعوا إلينا لم يلزم الحكم بينهم، ولا إقامة الحدود عليهم.
خامسا: إذا اعتدى المسلم على غير المسلم من الذميين والمعاهدين بما يوجب حدا كما لو زنى بامرأة من نسائهم، أو عمل عمل قوم لوط مع أحدهم أو سرق ماله المحترم أقيم عليه الحد الواجب في كل معصية منها كما يقام عليه لو فعل ذلك بمسلم، فإن كان الاعتداء قذفا له بالزنا أو اللواط لم تجب إقامة الحد على المسلم، ولكن يجب تأديبه، ردعا له عن الكلام في أعراضهم، وكفا له عن أذاهم.
سادسا: لا يقام القصاص ولا الحدود على من ارتكب موجبها من أفراد الجالية المسلمة في الدول غير المسلمة، سواء أكانت معادية لدول المسلمين، أو غير معادية بل بينها وبين المسلمين صلح وعهد، ولكن لا يسقطان عمن ارتكب موجبهما، بل تؤخر إقامتهما حتى يسافر إلى بلد مسلم فيقام عليه في ذلك البلد القصاص أو الحد، إذا كملت شروط إقامتهما وانتفت الموانع، وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، والدليل على ذلك ـ إن حصل في