الجواب: بالطبع لا يُمكن وهو مستحيل لأن المتناقضين يرفع أحدهما الآخر فتحقق أحدهما ينافي تحقق الآخر، ومثله حب ذات المرأة، وكرهها يستحيل الجمع بينهما , لأنه إذا تحققت إحدى الإرادتين ارتفعت الأخرى بدليل أن القلب إذا أبغض أمر ما من وجه وأحبه من وجه آخر فلا بد من غلبة أحدهما على الآخر فلا يمكن أن يجتمعا إلا بحالة من الصراع النفسي والحرج فلذلك إذا تعاطى المريض الدواء دل ذلك على أنه ترجح لديه محبته وإذا جاهد المسلم دل ذلك على ترجيحه لمحبة الجهاد ومرضاة ربه ولكن المسلم المتزوج للكتابية كيف يرجح؟ إن رجح بغضها فلا يمكن أن يُبقيها في عصمته وسيطلقها لا محالة وإن أحبها سيعني أنه لن يبغض ذاتها ولو دينياً بل يبغض أعمالها المخالفة للشرع.

وأما من استدل على إمكان الجمع بين بغض الزوجة الكافرة وحبها بقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة:216] وقال ((ونظير ذلك في الشرعيات أن القتال في سبيل الله يجتمع فيه كره طبيعي لما فيه من إيذاء النفوس، وحب شرعي لما فيه من الثواب العظيم، كما قال تعالى في الكراهية الطبيعية للقتال (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) [البقرة:216] وقال تعالى في الحب الشرعي للقتال (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) [التوبة:92].

فانظر كيف أخبر أنهم يكرهون القتال طبعاً، ثم تفيض عيونهم من الحزن إذا فاتهم القتال لحبهم إياه شرعاًَ وديانة!)) انتهى.

فالجواب أن هذه الآية فيها الرد على مذهبهم، فهي على عكس مراد من استشهد بها تماماً؛ وذلك أن هذه الآية تقرر أن أصل الجهاد محبوب لنفس المؤمن لكن صفة المشقة فيه مكروهة، تماماً كما أن الزوجة الكافرة قد تكون محبوبة لزوجها المؤمن لكن صفة الكفر فيها مكروهة، فالكره الوارد في آية الجهاد متوجه لصفة المشقة لا للجهاد نفسه، ولهذا لو قيل للمؤمن: إنك ستجاهد من دون مشقة لكان محبوباً له من كل وجه.

وهذه الآية من أقوى الأدلة القاطعة على استحالة الجمع بين الحب والبغض لذات الشيء بل الحب متوجه للذات، والبغض متوجه لصفة من صفات الذات، كما قررنا أن من قال إن المسلم يحب زوجته الكافرة من وجه ويكرهها من وجه أنه تكليف بما لا يطاق.

وقول المعترض ((إن الدواء يجتمع فيه الحب والبغض، فهو محبوب من وجه مبغوض من وجه، وهذا مثال يكرره أهل العلم كثيراً للتدليل على كيفية اجتماع الحب والبغض في شخص واحد.))

قلنا: لا يسلم له هذا، بل ذات الدواء مكروه للمريض أصلاً، ومحبته إنما لصفة من صفات الدواء وهي ما فيه من شفاء.

ومثله قول المعترض ((وكذلك فإن كل نفس تجد في داخلها كراهية السجن كراهية طبيعية، ولكن لما كان فيه مصلحة شرعية ليوسف -عليه السلام- صار أحب إليه شرعاً وإن كان يبغضه طبعاً، كما قال تعالى عن يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف:33]))،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015