وهذا أيضا دليل عليهم فذات السجن مكروه ليوسف، ومحبته ليست للسجن بل لأمر خارج السجن وهو البعد عن المرأة المغوية، فذات السجن مكروهة ليوسف من كل وجه، ولولا ما تعلق به من مصلحة ليست من السجن أصلاً لم يحبه.

ومن الأدلة أيضاً على استحالة جمع بغض الزوجة الكافرة ومحبتها في القلب وأن من قرر ذلك فقد قرر أن الله يكلف بالمستحيل:

الدليل الأول: من الواجب على الزوج العدل بين زوجاته، ومن لم يعدل فهو آثم وظالم ومرتكب لكبيرة من الكبائر، ولهذا قال تعالى ((فإن لم تستطيعوا أن تعدلوا فواحدة))، ومع هذا فقد جاء في الحديث ((عَنْ عَائِشَة " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِم بَيْن نِسَائِهِ فَيَعْدِل وَيَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِك، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِك وَلَا أَمْلِك " قَالَ التِّرْمِذِيّ يَعْنِي بِهِ الْحُبّ وَالْمَوَدَّة، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ أَهْل الْعِلْم.

فالحديث بجموع طرقه حسن لغيره، وعليه فالرجل المسلم قد يحب إحدى زوجتيه أكثر من الأخرى، والشاهد من ذلك كله هو أننا نقرر أن أمر الحب والبغض أمر بيد الله لا طاقة للعبد في التحكم به، ولا يكلف الله عباده ما لا يطيقون، ولهذا لا يعاقب العبد على ميله القلبي لبعض زوجاته مع أنه مأمور شرعاً بالعدل بينهن، ومثله المرأة الكافرة لا يكلف الله زوجها ببغضها وهو أمر لا طاقة له به، بل البغض متوجه لصفة الكفر فيها لا لها، ولو كان يستطيع التحكم بذلك البغض لوجب أن يعدل بين زوجاته في الحب لأن ترك العدل في المعاملة والجور كبيرة من الكبائر.

الدليل الثاني: قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ)) رواه مسلم

قوله ((لايفرك)) أي: لا يبغض، والشاهد من الحديث أنه لا يمكن الجمع بين الحب والبغض، ولهذا نص على بغض خلق منها، وأرشده إلى الاكتفاء بكره هذا الخلق، والانتباه إلى الأخلاق الحسنة الأخرى فيها، كل ذلك خوفاً من أن يتعدى الأمر إلى بغض المرأة لأنه لا يمكن أن يبغضها ويحبها في وقت واحد.

الإشكال السابع: بالنسبة لمن قال: أن المودة من أفعال القلوب لا من أفعال الجوارح والبر والإحسان من أفعال الجوارح لا من أفعال القلوب , فالجواب على ذلك:

أن هذا الكلام يستقيم لو لم يكن هناك علاقة تلازم بين ما يقع في القلب وبين ما يقع في الجوارح بل إن بينهما تلازماً في كثير من الأحيان يصعب انفكاكه.

إشكال أخير: قد يقول قائل إنك قد استندت في كثير من استدلالاتك السابقة إلى الإحالة على سبب النزول ومن المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فالجواب على ذلك:

أن مقولة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب مسألة خلافية وليست من مسائل الإجماع أما إجماع العلماء المحققين هو ما قاله ابن تيمية رحمه الله

(والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب، هل يختص بسببه أم لا، فلم يقل أحد من علماء المسلمين إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015