وهذا خارج محل النزاع , أو يُقال أن هذه النص عامة ولا يمنع من تخصيصها بنصوص أخرى.
وأما الرد على من استدل على وجوب بغض أعيان الكفار مطلقاً بلا استثناء بحديث أسماء بنت عميس ((كنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة) [البخاري، 4230] وبحادثة عبد الله بن رواحة رضي الله عنه مع اليهود حين أراد خرص الثمار, فالجواب عليه أن في هذا دليل على وجوب بغض عموم الكفار في الله كما تقدم وهذه متفق عليها , أو يُقال أن ما تقدم فيه دليل على جواز بغض الكافر المسالم في الله ومشروعيته لا وجوبه.
الإشكال السادس: بالنسبة لمن حاول التوفيق بين محبة الكافر محبة طبيعية وبغضه لدينه في ذات الوقت فالجواب على ذلك:
أن هذا مجرد جمع نظري والواقع يكذبه , وأن المشكلة ليست في مجرد الجمع النظري بين المحبة الطبيعية والبغض الديني وإنما المشكلة هي في الجمع بين موجب الأمرين فمن موجبات البغض الديني عدم البدء بالسلام مثلاً وعدم المخالطة إلا إذا طمع في إسلام الكافر وإظهار البغض له ومقتضى البغض في الله أن يبعدوا عنهم ويهجروهم , وموجبات المحبة الطبيعية هي المخالطة والانجذاب والتبسط وهي موجبات تتعارض مع موجبات البغض في الله وإن قلنا أن البغض للدين والمحبة لغير الدين.
ثم اعلم أن البغض والمحبة قد يجتمعان حينما يكون محل البغض يختلف عن محل المحبة فقد تحب أعمال الإنسان الموافقة للشرع وفي ذات الوقت تُبغض أعماله المخالفة للشرع وذلك لانفكاك الجهة لكن محبة ذات الشخص المعينة وبغضها في ذات الوقت يستحيل عقلاً وهو ممتنع بل يجب أن يكون الغالب عليه المحبة أو البغض , وعليه فمن قال إنه يحب الزوجة الكتابية حباً طبعياً ويبغضها لأجل كفرها فمحصل قوله: أن الله يكلف عباده بما لا يطاق، بل يكلف عبادة بالمستحيل؛ لأن الحب يترتب عليه القرب والتلذذ، والبغض يترتب عليه البعد والنفرة، ويستحيل الجمع بين هذين العملين المتناقضين؟! , وقد ورد في "حاشية العدوي" (1/ 273):
"قَوْلُهُ: (وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك) أَيْ: نَطْرَحُ مَوَدَّةَ الْعَابِدِ لِغَيْرِك، وَلا نُحِبُّ دِينَهُ وَلا نَمِيلُ إلَيْهِ. وَلا يُعْتَرَضُ هَذَا بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ لأَنَّ فِي تَزَوُّجِهَا مَيْلًا لَهَا لأَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ وَالْمُرَادُ هُوَ بُغْضُ الدِّينِ اهـ.
والخطأ الذي يقع فيه من قال بمثل هذا أنه لم يتصور أن الكفر وصف قائم بالذات، مثله مثل كل وصف مكروه كوصف البخل، أو الكذب، أو الفسق أو غيره، فالكره متوجه لذلك الوصف وليس للذات نفسها، فأنت تحب أباك حباً فطرياً لكن تكره فيه صفة البخل، أو صفة الفسق، أو صفة الكفر، وتحب زوجتك المسلمة لكن تكره فيها صفة سلاطة اللسان مثلاً، ويُقال مثل هذا في الزوجة الكافرة فأنت تحب زوجتك النصرانية وتكره فيها صفة الكفر لكن يستحيل أن يتوجه الحب والبغض للذات نفسها كما تقدم؛ فيستحيل أن تحب أباك وتبغضه في الوقت نفسه، ومثله أن تحب زوجتك وتبغضها وتنفر منها , وهنا سؤال للمعترض: هل يمكن الجمع بين الإرادتين المتناقضتين في شخص واحد؟