فالمودة الدينية لا تجوز، أما الحب الطبيعي فهذا لا يدخل في الأمور الدينية ... انتهى).

وقال محمد رشيد رضا رحمه الله (الله عز وجل لم ينه المسلمين، بل حذرهم أن يكونوا أحب إليهم من الله ورسوله، وجهاد ما في سبيله ; لأن هذا لا يجتمع مع الإيمان الصحيح كذلك نهاهم في سورة المجادلة عن موادة من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم إذا كانت لأجل المحادة، كما يفيده ترتيب النهي على فعلها، فإن المودة هي المعاملة الحبية، والمحادة شدة العداوة والبغضاء، فاشتراك المؤمن المحب لله ورسوله مع المحاد لله ولرسوله في المودة المرتبة على صفتيهما جمع بين الضدين، فهو في معنى موالاتهم بل أخص منها ... انتهى). ومراده رحمه الله بكلامه أن المودة المنهي عنها إنها هي المودة لأجل ما هم عليه من المحادة لله ورسوله، فمثل هذه المودة لا تجتمع مع الإيمان، فلا يمكن أن يجتمع في قلب رجل واحد محبة الله ورسوله، مع محبة من يحاد الله ورسوله، بحيث يكون الباعث على هذه المحبة هو هذه المحادة، فهذان ضدان لا يجتمعان، بخلاف الجمع بين محبة الله ورسوله والمؤمنين محبة دينية شرعية، وبين محبة أعداء الله ورسوله والمؤمنين محبة جبلية بشرية.

وعلى هذا يكون مراد الآية كالتالي "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لمحادتهم لله ورسوله كما يفيده ترتيب النهي على فعلها , والحكم المُعلل إذا قُرن بوصف يصلح للتعليل فهو العلة مثل قوله تعالى " إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ " أي إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ لبرهم وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ لفجورهم.

الإشكال الخامس: بالنسبة لمن قال: أن ما قررناه ينافي ويُعارض ما روى أبي شيبة بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله). ومارواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعادة في الله، والحب في الله والبغض في الله) ومحبة الكافر المعين تُعارض ما ورد عن أسماء بنت عميس وهي ممن هاجر إلى الحبشة تقول كما في صحيح البخاري (كنا في أرض البعداء البغضاء بالحبشة) [البخاري، 4230] فأهل الحبشة مسالمون، بل نفعوا أصحاب النبي حيث وفروا لهم لجوءاً سياسياً في وقت الأزمة مع قريش، ومع ذلك تسميهم "البُغَضاء".

ولما بعث نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عبدالله بن رواحة إلى اليهود لخرص الثمار خافوا أن يظلمهم فقال لهم كما عند أحمد بسند صحيح: (يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلي، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم) [أحمد: 14966] فهؤلاء كفار مسالمون وليسو محاربين، ومع ذلك يستعلن رضي الله عنه ببغضه لهم.

الجواب على ذلك:

أن ما قررناه لا يعني خلو قلب المؤمن من البغض في الله فهو لا يزال يبغض جميع الأعمال المخالفة للشرع ثم إن هذه الأحاديث دليل على وجوب بغض عموم الكفار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015