الوجه الأول: أن يُقال أن المراد من آية المجادلة هو العموم , والعام لا يمنع من التخصيص بالنصوص الأخرى مثل إباحة الزوجة الكتابية ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب.

الوجه الثاني: أن يُقال أن المراد بالمودة الواردة في آية المجادلة ليست هي مرادفة للمحبة بل هي قدر زائد على مجرد المحبة , فهنالك فرق بين المحبة والمودة كما ذكره بعض اللغويين فالمودة أخص من المحبة حيث أن المودة هي الحب الكثير , والحب المجرد عن المودة يكون أقل من المودة بدرجات متفاوتة وممن ذهب هذا المذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وإن كان له رأي آخر في ذات المسألة فقال الشيخ رحمه الله في شرحه لكتاب الجنائز في بلوغ المرام تعليقاً على حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أعطني قميصك أكفنه فيه" فأعطاه إياه، متفق عليه. قال ما نصه (} أن المودة للقرابة لا تُعد من المودة في الدين فإن قال قائل هذا يُعارض قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .... الآية) , فالجواب أن الموادة شيء والمحبة الطبيعية التي مقتضاها القرابة شيء آخر فالمواد هو الذي يسعى في طلب المودة أكثر مما تقتضيه الفطرة ويسعى إلى رضاهم بكل وسيلة ويدلك على هذا قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) والأبناء والآباء في هذه الآية عام يتناول المسلمين والكفار فلذلك تقديم محبة غير الله على الله ورسوله هو المحرم وعلى هذا فضابط المودة المحرمة للكفار هو تقديم محبتهم على محبة الله ورسوله ... انتهى {المصدر شرحه لكتاب بلوغ المرام كتاب الجنائز بداية الشريط الثالث.

ومما يستدل به لمن قال عن قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ... الآية) عام يتناول المسلمين والكفار على حد سواء , هو أن هذه الآية جاءت عقب قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فكأنها جاءت آية (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ .. الآية) مفسرة لمعنى الولاية المنهي عنها في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ ... الآية).

الوجه الثالث: أن يُقال أن المراد بالمودة الواردة في آية المجادلة هي المودة الدينية

كما هو المراد قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» أي المرء مع من أحب ديناً , وفي ذلك قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في" إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ". (وأنزل الله في أبي طالب (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)، (إِنَّكَ) أيها الرسول، (لَا تَهْدِي) لا تملك هداية (مَنْ أَحْبَبْتَ) من أقاربك وعمِّك، والمراد بالمحبة هنا: المحبة الطبيعية، ليست المحبة الدينية، فالمحبة الدينية لا تجوز للمشرك ولو كان أقرب الناس (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015