ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم) .... انتهى) قلتُ بهذه الرخصة تجتمع الآيتين اللتين فيهما إشكال آية الأسوة وآية الإذن ببر لكفار المسالمين , وبغض النظر عن كون الرخصة واجبة أم مستحبة أم مباحة وقد تختلف من حال إلى حال فالأخذ بها مع الوالدين واجب ومع من يُرجى إسلامه كذلك واجبة باعتبار الواجب لغيره ومع الأقارب مستحب.

وبهذا يتبين أيضاً خطأ من قال أن الجمع بين إظهار العداوة واجب مع كل كافر وأنه لا ينافي صحبة الوالدين بالمعروف بل وحتى الزواج من الكتابية.

الإشكال الرابع: بالنسبة لمن قال: أن تقرير مذهبكم يتنافى مع صريح قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .... الآية).

فالجواب على ذلك:

أولاً لا بد لنا من بيان معنى المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -:

والذي يظهر أن العلماء اختلفوا في معنى المحادة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - على قسمين:

القسم الأول: يرى أن المحادة تكون بمجرد المخالفة بأن يكون في حدٍّ والطرف الآخر في حدٍّ آخر، والحد هو الطرف وعلى هذا فكل الكفار داخلون فيمن حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , واستدل أصحاب هذا المذهب بأن الله تعالى نعت المنافقين الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم يُحادون الله ورسوله فلا يلزم من المحادة أن يكون الكافر محارباً للدين وأهله فقط بل يشمل جميع الكفار عموماً حيث قال تعالى ذكره عنهم:} وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ}.

القسم الثاني: يرى أن المحادة ليست على معنى واحد، بل هي مراتب متفاوتة، تتراوح بين مجرد المخالفة في الدين وبين المحاربة للدين وأهله , وهذه المحادة يتعين المراد منها من خلال السياق وسبب النزول ونحو ذلك , وسياق آية المجادلة يدل على أن المحادة هنا هي أمر زائد على مجرد الكفر بدليل سبب النزول والذي وإن كان ضعيف الإسناد إلا أن أهل التفسير المحققين تلقوه بالقبول ناهيك عن أن السياق أيضاً يدل على أنها في المحاربين، وعليه فالمحادون لله ولرسوله في آية المجادلة بالتحديد هم الكفار المحاربون لله ولرسوله، الصادون عن سبيله، المجاهرون بالعداوة والبغضاء بخلاف المسالمين لنا من أهل الذمة وغيرهم وقد صرح القاسمي في تفسيره محاسن التأويل بهذا في تفسيره لآية المجادلة.

وبناءً على ما تقدم سيكون الجواب على افتراض كلا الوجهين:

وعليه فنقول لو كان المراد بالمُحاد في آية المجادلة هو المحارب فهنا لا إشكال أما لو سلمنا بأن المراد من المحادة في آية المجادلة هي مجرد الكفر فالجواب على هذا الإشكال من وجوه:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015