ثم اعلم أخي أن الأصل حملُ الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة على الولاء المطلق، وهو الولاءُ التام الكامل، لا على مُطلق الولاء ما لم يقترن به ما يدلّ على خلاف ذلك.
الإشكال الثاني: بالنسبة لمن قال: أن قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {فيه حصر الموالاة في الله ورسوله والمؤمنين، وغير المؤمنين خارجون عن هذا الحصر قطعاً، فلا تجوز موالاتهم بأي حال. فالجواب على ذلك:
أن المراد بالولاية هنا هي الولاية المطلقة وهي واجبة لمن تجب موالاته مطلقاً وهو المؤمن المقيم للصلاة المؤتي للزكاة وأما ما قررناه فهو موالاة جزئية وليست مطلقة.
الإشكال الثالث: بالنسبة لمن قال: أنّ قولكم مخالف لظاهر الآيات التي فيها البراءة من الكافرين، ومنها قوله تعالى:} قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. ولو كان مذهبكم صحيح لقال تعالى "وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تكفوا عن حربنا" بدل قوله " وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده " فانظر جعل الإيمان بالله وحده غاية ينقطع عندها وجوب العداوة والبغضاء , فالجواب على ذلك:
أن الآية الثانية (لا ينهاكم .. ) بينت الآية الأولى المُجملة (قد كانت لكم أسوة) وهي أنها في الكافر الحربي.
بمعنى أن الآية الأولى (قد كانت لكم أسوة .. ) وردت في صنف الكفار المحاربين للرسل الذين جاهروا بالعداوة وهو حال قوم إبراهيم بل انظر إلى حال أبيه معه كيف طرده فكيف بحال الآخرين معه؟ واقرأ بداية السورة يتضح لك أن الآية وردت في هذا السياق.
فهؤلاء محاربون أظهروا العداوة والبغضاء .. فجاءت الآية في هذا السياق وبالتالي فإن الكفار المسالمين لم يكونوا داخلين في معنى الآية (قد كانت لكم أسوة حسنة) أصلاً , بمعنى أن الآية الكريمة (قد كانت لكم أسوة ... ) ليست عامة في جميع أصناف الكفار بإطلاق .. والسياق يدل على ذلك وواقع قوم إبراهيم يدل على ذلك .. ولو سلمنا جدلاً أن الآية مُطلقة والمقصود بها جميع الكفار المحارب منهم والمسالم فإن الآية التي بعدها وهي (لا ينهاكم .. ) وغيرها من الأدلة الدالة على بر الكفار المسالمين تكون مخصصة لآية (قد كانت لكم أسوة ... ) أو ناسخة لها جزئياً.
وبهذا التقرير نرد على من يقول أن هذه الآية مطلقة في حق جميع الكفار بلا استثناء , يُضاف إلى ما تقدم: ما ذكره البغوي رحمه الله (قال مقاتل: فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار عادى المؤمنون أقرباءهم المشركين وأظهروا لهم العداوة والبراءة. ويعلم الله شدة وجد المؤمنين بذلك فأنزل الله (عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم) أي من كفار مكة (مودة) ففعل الله ذلك بأن أسلم كثير منهم فصاروا لهم أولياء وإخوانا وخالطوهم وناكحوهم (والله قدير والله غفور رحيم) ثم رخص الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم فقال: (لا