التي قبلها: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فكأن عدم اتباع سبيل من أناب إلى الله واتباع سبيل من أعرض عن الله , هو معنى الولاية الواردة في قوله (لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ).

وعلى هذا يكون المراد بالولاية في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ .... الآية). المراد بها والله أعلم هي المتابعة في سكن بلاد الكفر مع وجوب الهجرة المتعينة أو الولاية الشاملة لجميع مفرداتها من نصرة على الباطل ونحوها , وهذا يكون من إطلاق الكل وإرادة البعض ومثل هذا ما قاله الشوكاني في نيل الأوطار " وقال الخطابي أيضًا إن الهجرة افترضت لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال " وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا " ... انتهى). قلتُ المراد هنا بنفي الولاية هي نفي ولاية الميراث والنصرة فقط وليس نفي الموالاة بينهم مُطلقاً كما قرر ذلك أهل العلم , وبدليل قوله سبحانه بعدها "وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".

ثم إن الموالاة وإن كانت فرع عن المحبة وهي من لوازمها , إلا أن المولاة أشمل من الحب فليس كل من تحبه يعني أنك تواليه بل الموالاة هي قدر زائد على المحبة فالولاء والموالاة يعني المحبة المفضية إلى الموافقة والنصرة والمتابعة على الدين ,

ولا شك أن الموالاة تختلف معانيها حسب السياق , إذ أن السياق أحياناً يبين المعنى ويعينه، وأنت ترى أحياناً كلمة واحدة لها معنيان متضادان يتعين المراد منهما بواسطة السياق كما هو معروف في كلمات الأضداد في اللغة , وعليه فالمُراد بالولاء في الآية الني يحتج بها المُخالف هو الولاء التام المطلق، لا مُطلق الولاء.

وأما بالنسبة لقوله تعالى} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {المراد بالولاية هنا ولاية الحرب والنصرة ويدل على ذلك سبب نزول الآية.

ثم إنه على فرض أن الآية المراد بها النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ومحبوبين وهذا قد نُسلم به على وجه العموم إلا أن هذه الآية لا يُمكن أن تكون على إطلاقها وأن تكون عامة بلا استثناءات بل أغلب النصوص العامة في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لا تسلم من تخصيص واستثناء حتى قال بعض علماء أصول الفقه إنه لم يكن هناك من نص عام في الكتاب والسنة إلا وقد خُصص إلا قوله تعالى "والله بكل شيء عليم" وهذا على سبيل المبالغة منهم , ثم إن مما يدل على أن هذه الآية ليست على إطلاقها هو أن الله تعالى الذي نهى المسلمين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، هو الذي أحل نساء أهل الكتاب للمسلمين، وهو يعلم تعالى ما يترتب على ذلك من مودة زوجية وقد أشار إليها في كتابه (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) , وهذا الكتاب العزيز ما أُنزل ليُضرب بعضه بعضاً، ولكن أنزل ليصدق بعضه بعضاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015