وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

مسألة: قد تبين لنا من هذا التقرير وهو جواز المحبة الطبيعية للكافر المعين المسالم الذي لا يجوز هجره هجراً جميلاً ولا يجوز قطع أسباب مودته لأي سبب شرعي فماذا عن الذين يُكره هجرهم كالأرحام الكفار؟

الجواب أن أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة فمنهم من يُغلَب جانب بغض الأرحام الكفار في الله أو على الأقل عدم مودتهم فيرى وجوب هجر الأرحام الكفار إذا آنس المسلم من نفسه ميلاً لهم ومحبة ويرى وجوب قطع أسباب هذه المودة ولو أدى إلى عدم قبول هداياهم وعدم زيارتهم ومقاطعتهم وهجرهم هجراً جميلاً ونحو ذلك.

وهناك من أهل العلم من يُغلب جانب صلة الأرحام ولو أدى إلى محبتهم بمقتضى الطبع , إلا أن أهل العلم اتفقوا جميعاً على أن كل بر وصلة بالمعروف ظاهرها الرحمة والإحسان ولا تستلزم مودتهم فهي مشروعة , وليفعل المسلم ما هو أصلح لقلبه.

وهنا أمر مهم: ليس في هذا التقرير دعوة لمحبة الكافر المعين غير المحارب , كلا، بل تقرير أن من وقع في هذه المحبة لمن يعسر هجره وقطع أسباب مودته لأي سبب شرعي من الأسباب: (زوجة، أبوين، أبناء، إخوة، جار في العمل، مصلحة خاصة). فما وقع في أمر مكفر؛ ما دامت محبة ليست لكفره , ولا في محرم دون الكفر؛ ما دام أنه لا يساوي فيها الكافر بالمسلم التقي الصالح ولا يعظمه على الوجه المنهي عنه.

بل كفر في حالة واحدة: إذا كانت لأجل كفره.

ومحرم في حالتين:

الأولى: إذا كانت لأجل معصية دون الكفر.

الثانية: إذا كانت لأجل الدنيا مطلقاً أي بمعنى أن المسلم له قدرة من حيث الشرع والقدر بقطع أسباب المودة وهجره ثم لا يهجره هجراً جميلاً.

ومباح في حالة واحدة: إذا كانت لأجل الدنيا، في حق غير المحارب المعين الذي يعسر هجره أو يُكره لأي سبب شرعي.

وهنا مسألة: ما ضابط هذه الرخصة المذكورة؟

ضابط هذه الرخصة هو ما دل الدليل على استثنائه كالزوجة الكتابية والوالدين

ومن أحسن إليك , علماً بأن الأدلة وإن كانت خاصة حق هؤلاء إلا أنها تتناول كل من كان في معناهم.

وهنا تنبيه مهم وهو إذا مات هذا الكافر المعين يجب علينا أن نتبرأ منه تبرؤاً مطلقاً كما تبرأ إبراهيم من أبيه، قال تعالى: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيم} [التوبة:114] أي: لما مات على الكفر وتبين عداوته لله عز وجل تبرأ منه، ولذا لم يأذن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن يستغفر لأمه، ولم يأذن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في أن يستمر في الاستغفار لعمه، بل قد استغفر له فلم يقبل استغفاره، مع أنه كان يحوطه ويحميه، ولكن كما قال عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015