مما نقلته عنهما أنهما متفقان على عدم ترتيب الحكم على الوصف المناسب في محل المفسدة الراجحة، أو المساوية، غير أنهما مختلفان في علة ذلك، فعند القائل بالبطلان، قال: لعدم وجود المقتضي، لبطلان المناسبة بالمعارضة بالمفسدة.

وعند القائل بعدم البطلان، قال: لوجود المانع، وهو المفسدة؛ لأن من شرط تأثير المقتضى انتفاء المانع، فالخلاف لفظي كما قال العطار1، ويرجع هذا إلى جواز تخصيص العلة، وعدم جوازه، فمن منع التخصيص قال بالبطلان، ومن قال بالتخصيص قال بعدم البطلان.

وليس يترتب على خلافهما فائدة إلا ما ذكره الشربيني من "أنه يترتب عليه انقطاع المستدل، وعدمه، فإنا إذا قلنا: لا تنخرم وتخلف الحكم عن العلة في صورة، فمن قال إن التخلف للمانع لا يضره ذلك التخلف، لبقاء العلية معه، ومن قال تنخرم يضره ذلك، لتبين إنما علل به ليس تمام العلة"2.

وأما بين المذهبين الأولين، وبين المذهب الثالث فالخلاف بينهما خلاف حقيقي، وثمرته ظاهرة كما في مثال نذر صوم يوم العيد، حيث إن القائلين بالمذهبين الأولين يريان أن النذر باطل، ويحرم الوفاء به.

أما الحنفية أهل المذهب الثالث فقالوا: يلزمه، ويحرم صوم نفس يوم العيد، لكنه يجب قضاؤه على القاعدة السابقة من أن معارضة المصلحة بالمفسدة الراجحة أو المساوية لا تبطل مناسبتها كما تقدم نقله عنهم، غير أنه لم يسلم لهم دليلهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015