فإن من حصل مصلحة درهم على وجه يفوت عليه عشرة يعد سفيهاً خارجاً عن تصرفات العقلاء، ولو كان ذلك مناسباً لما كان كذلك، وعلى هذا فلا يلزم من اجتماع المصلحة والمفسدة تحقق المناسبة.
وقول القائل: "إن الدواعي موجودة، فالمراد به المصلحة دون المفسدة"1.
أما البيضاوي فقد استدل بما قرره الأسنوي "بأن الفعل وإن تضمن ضرراً أزيد من نفعه، لا يصير نفعه غير نفع، لاستحالة انقلاب الحقائق، وإذا بقي نفعه بقيت مناسبته، وهو المطلوب.
"وإذا ثبت عدم بطلان المصلحة مع وجود المفسدة الراجحة، فكذلك مع المفسدة المساوية"، غاية ما في الباب أنه لا يترتب عليه مقتضاه، لكونه مرجوحاً"2، أو مساوياً.
غير أن صاحب النبراس نظر فيه من وجهين حيث قال:
الأول: لا نسلم أن المصلحة كانت، ثم انقلبت إلى مفسدة، لأن عدم لزوم المفسدة شرط في كونها مصلحة، فمع وجود المفسدة المساوية أو الراجحة لم تحقق المصلحة بالمرة.
الثاني: أننا لو سلمنا ما ذكر في الوجه الأول، لا نسلم أنه يلزم من بطلان المناسبة زوال المصلحة، كما يؤخذ من عبارة الأحكام، للآمدي في الرد على الدليل القائل بعدم البطلان3، يريد به ما تقدم من أن بقاء المصلحة لا يستلزم بقاء المناسبة.
المذهب الثالث: إنها لا تبطل شرعاً، ويترتب عليه الحكم كما يترتب على المفسدة حكمها وبه قال الحنفية، ولذا قالوا بلزوم نذر صوم يوم العيد مع أن صومه حرام، فرتبوا على كل من المصلحة والمفسدة حكمها بوجوب الفطر،